العالم العربي في 2018.. الانحطاط وصل أسفل القاع

عمان1:لم يكن العام 2018 أحسن حالاً بالنسبة للأوضاع السياسية والاقتصادية والحقوق والحريات العامة في العالم العربي من العام الذي سبقه برأي محللين ونخب سياسية؛ بل على العكس فإنه وصل إلى مرحلةٍ من الانحطاط بلغت "أسفل القاع".

وبرأي المحللين والنخب السياسية تجذرت الأزمات في العالم العربي، ولا تكاد تنتهي أزمة حتى يخوض العرب أزمة بعدها في كل الصعد والمجالات خاصةً بعد الحال التي وصلت لها الشعوب العربية على يد الأنظمة الحاكمة التي تعمّدت وأد ربيع الشعوب العربية الحالم بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم.

الأزمات تبقي العرب في القاع

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الدكتور أحمد سعيد نوفل في وصفه لحال العرب في العام 2018: "أنا أذكر في نهاية العام 2017 قلنا إن هذا العام سيكون نهاية عصر الانحطاط في العالم العربي، ونأمل مع بداية 2018 أن نبدأ خطوة نحو الخروج من المأزق والخروج من القاع لكن تبين أننا كلما حاولنا كعرب أن نخرج من القاع تأتينا أزمات جديدة ونعيش حالة من الصراع داخل مجتمعاتنا".

ويذكر نوفل السودان كمثال على الأوضاع الصعبة والمأساوية التي وصل لها العالم العربي مع مكوث عمر البشير فترة طويلة في حكم بلده، مؤكدًا أنه لو كان البشير حل كل مشاكل السودان في فترة حكمه فعليه الاستقالة وإفساح المجال لدماء جديدة بعد كل المدة التي قضاها في الحكم وكرسي الرئاسة.

وأشار نوفل إلى أن النظام العربي الوحيد الذي تغير بشكلٍ ديمقراطي هو النظام السوداني في حقبة حكم الرئيس السوداني سوار الذهب، منوهاً إلى أنه لو كان النظام السوداني الحالي صنع المعجزات للسودانيين فعليه الاستقالة وأن لا يتمسك بالحكم والسلطة والكرسي بحجة أنه الوحيد القادر على حل مشاكل المجتمع السوداني، ويجب عليه منح الفرصة لآخرين قد يكونون أقدر وأفضل منه.

ويعمم نوفل المشهد السوداني الذي ختم به العام 2018 على الحالة التي تعيشها الأمة العربية، كمدخل لانتقاد الأنظمة الحاكمة، فعقلية النظام السوداني بقيادة البشير تمثل الحالة العامة ذاتها التي تعاني منها البلاد العربية وهي مشكلة "الزعيم الأوحد"، مع أنه ليس هناك ديمقراطية في الدنيا تأتي بزعيم أوحد على أيّ حال.

ويضيف نوفل أن الحياة الحزبية في العالم العربي غير موجودة وحتى في الحالة السودانية فإن علاقة الرئيس عمر البشير مع الحزب الذي ينتمي له علاقة غير جيدة وفيها كثيرٌ من المشاكل.

ويدلل أستاذ العلوم السياسية على فداحة ما وصل له الحال في العالم العربي بمشهد بالغ السوء عندما جمع النظام المصري أول رئيس منتخب بتاريخ مصر مع الرئيس المخلوع في قاعة محاكمة واحدة، لتكون الثورة المصرية في قفص الاتهام والشاهد عليها من أسقطته تلك الثورة وخلعته، فالأول محمد مرسي رئيس منتخب وجاء بصناديق حرة ونزيهة وإرادة شعبية والأخير فرض نفسه على الشعب المصري وتبين أنه نظامٌ في غاية السوء وساهم في إيصال المصريين لما يعانون منه اليوم.

ويؤكد نوفل على فداحة المشهد إذ لم يكتف مبارك بالإساءة لثورة الشعب المصري؛ بل وجه اتهاماته جزافًا لحماس ليحرض الشعب المصري على الشعب المحاصر في غزة ويزيد أحقادهم عليه على الرغم من الحصار المفروض عليهم.

ويضيف نوفل أن مبارك حاول أن يعيد بناء صورة جميلة له واتهام حماس بأن لديها قدرات خارقة لنشر الخراب في مصر وهذا أمرٌ معيبٌ جدًا.

انهيار النظام الرسمي العربي

ويتابع نوفل في توصيف المشهد بالغ السوء في العالم العربي في ظل تجذر الخلافات البينية وتعمقها بالقول: "لا يوجد نظام رسمي عربي، النظام الرسمي العربي انهار وجامعة الدول العربية انهارت، والحديث اليوم عن تكتلات بين الدول وبعض تلك التكتلات العربية حدثت مشاكل كبيرة فيما بينها".

ويقول أستاذ العلوم السياسية: "ليس هناك لجنة حكماء عرب اليوم، مع أنه كان في السابق هناك دول عربية قوية ونذكر عندما دخلت قوات عراقية في ستينيات القرن الماضي للكويت وكان عبدالكريم قاسم يحكم العراق، وتدخلت الجامعة العربية ومصر وطلبت من العراق الخروج من الكويت دون تدخل قوات بريطانية أو أجنبية وتدخلت قوات عربية لحماية الكويت ولكن دون حرب".

ونوه إلى أن الحكمة التي كانت موجودة في السابق اختفت اليوم لأن النظام الرسمي العربي انهار وأصبحت هناك أنظمة عربية تعمل لصالح الكرسي ولا تعمل لصالح الشعوب، فضلاً عن التعاون مع دول أجنبية والعمل لمصالحها وليس لمصلحة الأمة العربية والإسلامية.

مما جعل هذه الأنظمة تفكر في خارج حدودها لحماية نفسها وليس من خلال التفاف الشعوب حولها لكي يدافع عنها، وهذا زاد من المشاكل في المجتمعات العربية، وفقًا لنوفل.

قراءة في المشهد العربي

من جانبه يرى أستاذ الصراعات الدولية في الجامعة الأردنية الدكتور حسن المومني أن السياق العام في المشهد العربي اليوم ما زالت تمثله حالة عدم الاستقرار في كثيرٍ من دول العالم العربي، فالعراق ما زال يصارع في محاولات استعادة استقراره والخروج من حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي.

ويقول المومني إن داعش هزمت إلى حد ما عسكريًا ولكن كفكرة ما زالت لديها بعض الجيوب، فيما سوريا حسمت عسكريًا في المجمل لصالح النظام السوري وحلفائه".

ويؤكد أن العام 2018 هو عام الأزمة السعودية في مقتل جمال خاشقجي، ولعل هذه القضية هي أخطر أزمة واجهتها في تاريخها.

ويرى المومني أن اليمن شهد تحولاً في عملية سياسية حققت نجاحات جزئية في اتفاق ستوكهولم لصالح التخفيف من حدة الأزمة الإنسانية، ويؤكد أن ما جرى هو اتفاق إنساني أكثر منه سياسيُا لأن القضايا الأساسية لم يتم التطرق لها، ولكن حدث وقف إطلاق نار بغض النظر كان كليًا أو جزئيًا الأمر الذي ساهم في إيصال مساعدات للمدنيين، وأيضًا هذا نتج عن تطور تفاعل المجتمع الدولي مع الأزمة ولنعتبرها تفاؤلاً جزئيًا في الحالة اليمنية، على حد تعبيره.

وينوه إلى أن الأزمة الخليجية الخليجية ما زالت تراوح مكانها ويبدو أنها ليست بأولوية خاصة من مصر والسعودية والإمارات والبحرين خلال العام 2018.

وتابع حديثه بالقول: 2018 بدأنا نشهد خطوات جادة لإعادة تأهيل أنظمة عربية مثل النظام السوري من خلال افتتاح السفارات والحدود معه والهرولة باتجاهه.

2018 بالنسبة للمنطقة العربية هو عام إلغاء الاتفاق النووي مع إيران من قبل أمريكا وفرض عقوبات وخلق واقع جديد أشبه ما يكون بالواقع قبل 2015م، وفقا لأستاذ الصراعات الدولية.

يقول المومني: "2018 القضية الفلسطينية عانت من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقراره نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة وموضوع الضغط في موضوع اللاجئين، وأعتقد أنه العام الأسوأ بالنسبة للقضية الفلسطينية وما يسمّى بصفقة القرن".

ويرى أن السودان لحقته وهبت عليه رياح الربيع العربي وما يجري فيه هو بلا شك ربيع عربي بخصوصية سودانية، وإن لم تتبلور حتى الآن ثورة حقيقية، لكن هناك توتر شعبي بسبب سياقات اقتصادية تطالب بتوزيع عادل للثروة والمساواة في الفرص وإنهاء التهميش الاجتماعي والاقتصادي.

وفي المشهد الليبي يقول المومني: ما زالت الأزمة هناك تراوح مكانها وهذه الصورة البانورامية تبعث على قليل من التفاؤل وكثير من التشاؤم.

ويؤكد المومني أن الأسباب العامة التي أدت إلى الربيع العربي موجودة في معظم الدول العربية، وينوه إلى أنه صحيح أن كل دولة لها سياقاتها الخاصة لكن في السياق العام وفي نهاية المطاف الربيع العربي يتعلق بخبز على الطاولة وبحريات سياسية وبكرامة إنسانية.

أزمة متجذرة

يرى المومني أن معظم الخلافات العربية أسبابها ما زالت متجذرة وموجودة ومنها ما يحمل طبيعة سياسية فيما الجزء الآخر يحمل وجهًا أيدولوجيًا.

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية أن الدول العربية أصبحت حريصة على علاقاتها الثنائية البينية أكثر من حرصها على العلاقات الجمعية بمعنى صارت كل دولة تتصرف على اعتبار أنها أولاً: الأردن أولا، قطر أولا، السعودية أولا.

ويتابع حديثه ولذلك نرى أن الأردن ركز على علاقاته البينية والعلاقات الثنائية في الإقليم وهو الأمر الذي نراه اليوم في العلاقات الأردنية التركية والعلاقات الأردنية السعودية والعلاقات الأردنية الخليجية كلٌ على حدة.

وينوه المومني إلى أن قضية فلسطين والمشكلة الاقتصادية جعلت الأردن يصنع هامش حركة له من خلال تعزيز العلاقات الثنائية خاصة مع تركيا بعيدًا عن أي ارتباطات جمعية.

وفي الشأن الخليجي يرى المومني أن تجذر الخلافات بين قطر وبعض الدول الخليجية على اعتبار أن قطر انتهجت من وجهة نظر المعسكر المضاد سياسات لا تتفق مع الرأي الجمعي الخليجي، مع اعتقادي بعدم وجود رأي جمعي خليجي، على حد تعبيره.

ويعيد المومني التأكيد على أن الخلافات العربية ليست جديدة بل تعود إلى عقود تجذرت عبرها هذه الخلافات، وعلى سبيل المثال الخلاف الجزائري المغربي قديم منذ الحرب الباردة وأعتقد أن موضوع الصحراء الغربية له دور كبير فضلا عن الخلافات السياسية.

ويشير المومني إلى أن الدولة العراقية منذ عام 2003 خارج العمل العربي المشترك والاستقطاب وعلاقة العراق بالدول العربية تذبذبت بالانكفاء ورغبة بعض الدول العربية بإعادة العراق لوضعه السابق في إطاره العربي.

وينوه إلى أن سوريا منذ عام 2011 وحتى اللحظة كانت خارج دائرة العمل العربي المشترك، واليوم هناك دول من الناحية البراغماتية بدأت تعيد حساباتها في الخلافات مع سوريا.

ويضرب مثالا على تقاطع المصالح الثنائية في أن الإمارات تسعى لإعادة فتح سفارتها في سوريا بناء على أن النظام السوري ضد الجماعات الإسلامية وضد الإخوان المسلمين وبالتالي تلتقي المصلحة بينهم في هذا الجانب، فضلا عن رؤيتهم أن بناء الدولة السورية سوف يخفف من التأثير الإيراني.

هل سنشهد انفراجة عربية في 2019؟

يقول الدكتور حسن المومني: "صحيح أن الإنسان يجب أن يكون متفائلًا لكن 2019 لا أعتقد أنه لن يكون هناك تغيير على الحال في العالم العربي؛ لأن الكثير من الأسباب التي أدت إلى حالة التشاؤم وعدم الاستقرار لم يتم التعامل معها وحلها وما زالت موجودة وبالتالي قد يكون هناك نوع من الدورات والتسكين لهذه المشاكل".

ويضيف أن النظام السوري سيستمر بالنهج ذاته خلال عام 2019 ولن يتغير، والعراق لن يستطيع استعادة دوره والخروج من حالة الاستقطاب، والعمل العربي المشترك ما زال الجميع يعاني من الخلافات.

ويؤكد المومني أنه في أحسن الأحوال سيشهد العام 2019 تحسنًا طفيفًا، لكن يجب علينا أن ننظر أن الحالة العربية مع ارتباطها في السياقات الدولية التي تشهد أيضا حالة من الاضطراب الشديد، ونحن نعلم أن ما يعانيه العالم العربي أصعب من أن تكون هناك عصا سحرية لإنهاء كل هذه المشاكل.

من جهته يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور أحمد نوفل أن العام 2019 سيشهد محاولات عربية للخروج من هذا المأزق، وللأسف على العكس ستكون مرحلة جديدة لمزيد من الانحطاط في النظام الرسمي العربي .

ويضيف نوفل أن هذا الانحطاط سينعكس على حالة الشعوب العربية، وما نعانيه اليوم وخلال السنوات التي مضت والتي ستأتي، ليس بسبب الربيع العربي بل بسبب تدخل أنظمة عربية كانت حريصة على إفساد الربيع العربي لحماية أنظمتها وكراسيها.

أسفل القاع

من جهته عبر المحلل السياسي والإعلامي اليمني خالد عقلان عن خيبة أمله من حال العرب في العام 2018، وخاصة فيما يتعلق بالحالة اليمنية واصفًا إياها بأنها "أكبر جرح في جسد الأمة".

وتساءل عقلان : هل سيكون هذا العام الذي وصل فيه العرب أسفل القاع في منسوب الانحطاط السياسي والتردي الإنساني، والقهر والاستبداد نهاية حقبة أم بداية لتجدد الخيبات وتراكم الظلمات".

وتابع حديثه قائلا: "لن نفرط في التفاؤل طالما وأعراب الصحراء الذين أتقنوا فن الغدر  والخيانة في مهد العروبة اليمن، اليمن السعيد عبر تاريخه العتيق والضارب في أعماق الحضارة والحزين بغربته في صحراء قاحلة بعد الطفرة النفطية التي تحولت إلى لعنة على كل العرب".

وشدد عقلان على أن "ما قام به أعراب الصحراء في اليمن يفوق التصور بعد أن استنجد بهم الشقيق لنجدته من تغول ايران في المنطقة.. فإذا بالأشقاء يجهزون على مهد العروبة لتترك حربهم التي صورها بحرب إنقاذ لتتحول إلى أكبر جرح في جسد الأمة".

وختم حديثه بالقول: "يبدو أن الخيبة والذل مستمران،  طالما من وصفهم مجرم الشام بشار الأسد قبل أعوام قليلة بأشباه الرجال لم يستوعبوا الدرس بعد، فهنيئا لإيران بغباء العرب والخيبة والذل والخسران لأشباه الرجال".

زر الذهاب إلى الأعلى