قانون العفو العام !! فلتغلق كليات الحقوق أبوابها

عندما يتفرد وزير العدل ورئيس ديوان التشريع والرأي بتحضير مشاريع القوانين ، فلتغلق كلية الحقوق ابوابها، ولتذهب مباديء الصنعة القانونية الى حيث القت رحلها ام قشعم .
لقد غدت السياسة التشريعية اقرب ما تكون الى سياسة التفصيل في الخياطة ، مع ان الفتق اتسع على الراتق في سياسات الدولة العامة .
و اننا نتوجد على تلك الايام الخوالي التي كانت مباديء علم القانون منارة يهتدي بها طلاب العدل وخدامه .
فمشروع قانون العفو العام كان من الواجب اسناد امره الى لجنة للصياغة تشتمل على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والحكومية والنقابية والجامعية.
وعندما تم التخلي عن وجودها تاثر المشروع كثيرا بالسياسات الحكومية المالية الجبائية البالية .
فضرب بعرض الحائط مبدا العموم والتجريد في القاعدة القانونية ، ومبدا اعادة التوازن الى العلاقات المختلة في السياسة التشريعية ، ومبدا حماية الاوضاع الظاهرة التي تحكم التعاملات المالية ،ومبدا الردع في السياسة الجنائية ، ومبدا الاصلاح في السياسة العقابية ، ومبدا التشغيل الكامل في الاقتصاد لمواجهة الركود .
فلم ينطلق مشروع قانون العفو العام من مبدا تسامح المجتمع مع الجاني واصلاحه واعطائه فرصة للبدء من جديد ، وظهر جليا هذا النهج فيما يتعلق بالغرامات الجزائية واستثناء عديدها من احكام العفو وخاصة ذات القيم المرتفعة  .
هو عفو يزخر بالاستثناءات حتى اصبح الاستئناء هو الاصل وافرغ من مضامينه باخراج اكثر من نصف الجرائم من احكامه دون مبرر .
كما ان معالجة المشروع لجرائم الشيكات قد ابتدعت تفريقا ليس ظريفا بين اقتران الشيك بادعاء بالحق الشخصي و بين افراده بالشق الجزائي فقط ، فتم شمول الثاني بالعفو واستثني الاول ، ومرد هذا الابتداع هو النظرة الجبائية للامر ، فالذي قدم الشكوى دون ان يتبعها بادعاء بالحق الشخصي وبعد شمول الجريمة بالعفو سيلجا المشتكي الى المطالبة الحقوقية ويجبى منه رسوم التقاضي الباهظة ، هذا ان كان هناك مكان لسماع دعواه اذ ان غالبية هذه الشيكات قد مر عليها التقادم الصرفي او حتى تقادم سماع اصل الحق فيها. 
لقد تصدر الشيك اهمية بالغة في المجتمع القانوني حتى انه اخرج من جرائم الاحتيال وافرد له نصوص تجريمية خاصة هي جرائم الشيك ، بل ان المجتمع الدولي قد ابرم له الاتفاقيات الدولية التي تنظم تشريع احكامه وتجريم افعاله وعلى راسها اتفاقية جنيف 1931 .
ان استقرار احكام جرائم الشيك وعدم شمولها بقوانين العفو التي صدرت قد اعطى انطباعا لدى المتداولين بالشيك انه بمنأى عن شموله باي عفو طالما لم يقع فيه الصلح .
والشيك وان كان اداة للوفاء بشروطه فهو في طبيعة استعماله ايضا هو اداة للائتمان نظرا لشيوع التعامل الاجل بين الافراد ، وايا كان شكل استعماله وفاء او ائتمانا فانه مستوجب لبقاء الحماية الجزائية له لانها تدخل في جوهره واساس التعامل به.
فالشيك قد تعدى في استعماله باقي اصناف الاوراق التجارية بل تعدى الاوراق النقدية في هذا الجانب .
وان تجريم صوره في الفكر القانوني المجرد ليس من اجل حماية المستفيد من تصرف الساحب فقط وفقا لنظرية الضرر في التجريم ، بل هو حماية للثقة العامة التي جبلت عليها ورقة الشيك وفقا لنظرية الخطر في التجريم ، اذ انه يقوم مقام النقود في الوفاء ويحل محلها في التداول وان الاخلال بهذه الثقة يكون مشابها للاخلال بالثقة المتعلقة بالنقود ويقترب من صور تجريم الاعتداء على الاوراق النقدية.  
ان المساس بجوهر الحماية الجزائية للشيك سيكون وبالا على اقتصاد البلاد المنهك وسببا في دخوله مرحلة الركود الكامل فكلنا نعلم ان معظم التعاملات المالية في الاقتصاد الاردني تقوم على تداول الشيكات ، وان سحب الحماية الجزائية سيؤدي الى الاحجام عن التعامل فيها بما يؤدي الى مالا يحمد عقباه.
  كل ذلك من اجل بضع من الرسوم القضائية المنتظرة في نظرة قاصرة وقد يكون ايضا من ورائها جمع شتات الشعبية المتهالكة .
ثم ننظر من حولنا لدور منتظر لام المؤسسات القانوية نقابة المحامين ، فنجدها قد رضيت بالتمديد مقابل التمرير ورضيت بالصمت المطبق فاكتمل المشهد بصورته الكاملة ، فلك الله يا وطني ، ولا غالب الا الله.

بقلم الاستاذ يحي ابو عبود

زر الذهاب إلى الأعلى