بعد هدمه مرتين.. مقدسي يحطم منزله بيده لتجنب دفع التكلفة

عمان1-"كأن يحفر الإنسان قبرا بيده ليدفن ابنه حيّا" هكذا وصف المسن المقدسي جميل مسالمة قسوة إجباره على هدم منزله بيده من قبل سلطات الاحتلال التي هدمت له المنزل ذاته مرتين بجرافاتها، وخيرته في المرة الثالثة بين هدمه ذاتيا أو دفع تكاليف الهدم بالجرافات التي تقدر بـ 25 ألف دولار أميركي.

البداية تعود لثلاثينيات القرن الماضي عندما قرر والد جميل الانتقال للعيش بالقدس من بلدة بيت عوّا بمحافظة الخليل، واستقر حينها في حارة الشرف داخل أسوار البلدة القديمة، وبعيد احتلال المدينة المقدسة عام 1967 هُدم منزل العائلة وانتقلت للعيش بالإيجار في حي وادي الربابة في بلدة سلوان بغرفتين صغيرتين.

عندما توفي الأب عام 1997 عرض أصحاب العقار المنزل للبيع فاشتراه جميل، وقرر توسعته بعد إنجابه وزوجته عشرة من الأبناء، فبنى غرفتين أعلى المنزل لكن سلطات الاحتلال لم تمهله طويلا فأقدمت على هدم ما بناه عام 2008 بعد اقتحام القوات الخاصة والكلاب البوليسية المنزل والاعتداء عليه وعلى زوجته وأطفاله.

لم يستسلم وقرر إعادة بناء ما هدمته جرافات البلدية لكنها أقدمت مرة أخرى على هدم المنزل الجديد الذي لا تتجاوز مساحته خمسين مترا مربعا عام 2014. يقول للجزيرة نت "يهدمون كل مرة بحجة البناء غير المرخص.. حاولت الحصول على رخصة ودفعت عشرة آلاف شيكل للمهندسين ولاستكمال الإجراءات ثم قال لي موظف في البلدية: أجننت؟ تريد ترخيصا للبناء في وادي الربابة؟".


مجموعة من القبور الوهمية زرعها الاحتلال بحي وادي الربابة قرب منزل مسالمة (الجزيرة نت) 
مجموعة من القبور الوهمية زرعها الاحتلال بحي وادي الربابة قرب منزل مسالمة (الجزيرة نت) 

إعادة البناء.. والمصير الهدم
هذا التضييق لم يثن المواطن عن موقفه في ضرورة إعادة بناء ما هدمه الاحتلال، وبالفعل أعاد بناء المنزل للمرة الثالثة، لترفع عليه بلدية الاحتلال دعوى ويقارعها لمدة ثلاثة أعوام في المحاكم، وجاءت النتيجة مطلع العام الحالي بتخييره بين هدم منزله ذاتيا أو دفع تكاليف عمل الجرافات بالهدم. 

في مارس/آذار الماضي هدم سقف المنزل بيده ووضع بدلا منه الصفيح لكن البلدية اقتحمت المنزل وهددته مرة أخرى، فاضطر في سبتمبر/أيلول لهدم المنزل مستخدما -ومعه أبناؤه- أدوات بدائية.

تقع بجوار منزل مسالمة بناية سكنية سربت للمستوطنين قبل خمسة أعوام، وقبيل تسليمها لهم وصل البناء لخمسة طوابق، وهو ما لم يعهده المقدسيون في تلك المنطقة من بلدة سلوان التي يعتبرها الاحتلال حديقة عامة، مدعيا أن جزءا من حي وادي الربابة مقبرة يهودية قديمة، بيد أن السكان رصدوا زراعة 935 قبرا وهميا على امتداد المنحدر في السنوات الأخيرة.


المنزل الذي هدمه مسالمة بيده قبل شهرين في وادي الربابة ببلدة سلوان (الجزيرة نت)
المنزل الذي هدمه مسالمة بيده قبل شهرين في وادي الربابة ببلدة سلوان (الجزيرة نت)

منتهى القهر
يقول مسالمة "لا قهر أعمق من ذلك الذي أشعر به عندما أصعد لسطح منزلي وأنظر لبقايا الهدم، وأمامي يرفرف العلم الإسرائيلي على بؤرة استحدثت بقوة الاحتلال، هم يعيشون في رغد وأنا أكتظ وأبنائي بغرف ضيقة، حاولت عدة مرات التوسع بالبناء كي نعيش حياة أفضل لكن كان المصير كل مرة هدم الحجارة وتبديد الأحلام، لن أيأس سأصمد لأن القدس تستحق العناء".

عندما هطلت الأمطار مؤخرا على المدينة المقدسة تضرر منزل العائلة القديم وتسربت مياه الأمطار وأغرقت الغرف، مما دفع مسالمة لإعادة تبليط السطح لضمان عدم تسرب مياه الأمطار في ظل خشيته من إمكانية ملاحقته من طواقم البلدية.

هذه الدوامة التي يعيشها المقدسيون قبل وخلال وبعد هدم منازلهم تشاركهم بها بعض الجهات التي توثق ما حصل معهم كالمؤسسات الحقوقية المحلية والدولية ومحافظة القدس التي تنظم زيارات ميدانية للمتضررين.

مسكنات لا أكثر
وحول هذا الموضوع، قال مسالمة إن المؤسسات قد تساعد بمبلغ عشرين ألف شيكل (خمسة آلاف دولار) كتعويض، لكن ما جدوى ذلك أمام شخص هدم منزله ويريد حلا جذريا؟ "الحل المادي المؤقت لا يحل المشكلة، هل يُعيد ذلك البيت المهدوم أو يشفع لي بإعادة بنائه وضمان عدم هدمه مجددا؟".

رافقتنا إلى سطح المنزل الابنة الصغرى سناء مسالمة (11 عاما) ولازمت والدها طيلة فترة حديثنا معه، وقالت "كنت ألعب وشقيقي وسيم دائما في الساحة الأمامية للمنزل المهدوم في الأعلى، الآن أشعر بالخوف والحزن والقلق لأنني شهدت على هدم المنزل مرتين".

وعند سؤالها عن حلمها أجابت "أتمنى أن أتخلص من الخوف الذي يرافقني بسبب هم المنازل في هذا الحي ووجود المستوطنين فيه وأن أعيش في منزل لا يحدق به خطر الهدم".

مسالمة بالإضافة لتسعة من أرباب العائلات المقدسية أجبرهم الاحتلال على هدم منزلهم ذاتيا منذ مطلع العام الجاري، بالإضافة لهدم جرافات الاحتلال 140 منزلا في الفترة ذاتها بالمدينة المقدسة حسب مركز بتسيلم الحقوقي.

وحسب تقرير المنظمة فإن سلطات الاحتلال هدمت أكثر من 960 منزلا فلسطينيا بين عامي 2004 و2019، وأدت عمليات الهدم إلى تشريد نحو 3120 مواطنا بينهم أكثر من 1670 من الأطفال والقصر.

زر الذهاب إلى الأعلى