بعد منع 9 سنوات.. إيران تسمح بعرض فيلم "بيت الأبوة"

عمان1-سمحت وزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية مؤخرا لدور السينما بعرض فيلم "بيت الأبوة" الذي يتناول جرائم الشرف والعنف ضد المرأة في المجتمع الإيراني، بعد حظر دام نحو تسع سنوات، بسبب تصويره مشاهد عنف، منها قتل ابنة البيت "ملوك" ودفنها في سردابه، قبل حذف المشهد في النسخة المعدلة والتعبير عنها بطريقة غير مباشرة.
وتظهر إحدى اللقطات المصورة للمشهد قبل تعديله، رب الأسرة یقتل ابنته بمساعدة ولده الأصغر "محتشم"، بسبب شكوك بوجود علاقة لها خارج الزواج، دون التأكد من صحتها.
وتتوالى مشاهد الفيلم بتصوير اضطهاد الأنثى في المجتمع الإيراني، من الضحية الأولى المقتولة ملوك، إلى أمها التي ماتت على قبرها كمدا عليها، ومن الحفيدة الأولى التي أرادت الانتحار هربا من زواج إجباري، إلى الحفيدة الثانية التي عنفت أمام صديقاتها.
الفيلم حظر لمدة تسع سنوات بسبب تصويره مشاهد عنف (مواقع التواصل ) |
انتقادات وتوقيف
وتعرض الفيلم منذ اليوم الأول من عرضه لموجة انتقادات واسعة من قبل وسائل إعلام محافظة، رغم تعديل المخرج الإيراني الشهير كيانوش عياري -الذي سبق أن حصد العديد من الجوائز الوطنية والدولية- بعض مشاهد فيلمه.
من جانبه، شكا المخرج عياري من الرقابة التي وصفها بأنها متشددة في إيران، مؤكدا أنه اضطر إلى حذف مشهد مهم لقطع الطريق على المتذرعين بذرائع لا معنى لها.
وعرض الفيلم لأول مرة قبل خمسة أعوام بشكل محدود في مهرجان "فجر" السينمائي عام 2014، حيث ألغي عرضه بعد ساعات فقط في اليوم الأول، للسبب ذاته.
من جانبها، أعلنت النيابة العامة الإيرانية في بيان لها أن التوقيف الثاني جاء على خلفية عدم حذف المخرج بعض المشاهد الإشكالية، وعدم حصوله التراخيص اللازمة.
في المقابل، أعلن عياري في رسالة بعثها إلی هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية أنه عدل النسخة الأولی وفق التعليمات التي تلقاها من الجهات المعنية، وأن المسؤولين عن الأمر سمحوا بعرضه بعد ما حصل على جميع التراخيص اللازمة.
وأعلن مساعد هيئة السينما الإيرانية "محمد مهدي طباطبائي نجاد" صباح الأربعاء الماضي، أن قرار إلغاء منع العرض جاء بأمر من رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي بعد مفاوضات أجراها مع عباس صالحي وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي بشأن أسباب منع العرض.
تعرض الفيلم منذ اليوم الأول لموجة انتقادات واسعة من قبل وسائل إعلام محافظة (مواقع التواصل) |
إهانة الثقافة الإيرانية
كان عضو اللجنة الثقافية بالبرلمان الإيراني الشيخ أحمد سالك سباقا في مهاجمة الفيلم، حيث عبر عن أسفه بعد يوم فقط من عرضه لما يسميها مخالفة القيم الأسرية، وطالب وزير الثقافة بالتحرك فورا لمنع عرضه، كما تحدث عن وقوف تيار مشبوه خلف مثل هذه القضايا.
وتدور أحداث الفيلم حول وضع المرأة في إيران منذ عهد القاجار إلى حقبتي البهلوي الأول ثم الثاني، لتنتهي في زمن الجمهورية الإسلامية.
ويظهر الفيلم أن العقلية الذكورية للمجتمع الإيراني لم تتغير طيلة تسعة عقود، رغم تعاقب الأجيال والتغيير الملموس في أزياء النساء وبناء البيوت، وهو ما لا يروق لمنتقديه الذين يرونه بأنه يبالغ في تصوير العنف ضد المرأة في المجتمع الإيراني.
ورغم أن الكثير من نقاد السينما الإيرانيين وصفوا الفيلم بأنه عمل فني إبداعي، فإن صحيفة كيهان المحافظة صنفته في دائرة أضعف أفلام المخرج عياري، إذ يهين الثقافة الإيرانية ويقدمها بصورة وحشية. في حين واصلت صحف ومواقع إخبارية محافظة أخرى هجوما عنيفا ضد عرضه، بدعوى مخالفته للقيم الاجتماعية المتعارف عليها.
تنفير من العنف
في المقابل، يتهم مدافعو فيلم بيت الأبوة منتقديه بتجاهل الواقع ودفن لرؤوس في الرمال، ويرونه حلقة تثقيفية قد تساهم في إصلاح نظرة البعض حيال قضايا الشرف، والتقليل من احتمالية وقوعها مستقبلا.
من جانبه، أوضح الناقد السينمائي مهرزاد دانش، أن منتقدي فيلم بيت الأبوة يتحدثون عن تصويره تفاصيل عملية القتل والتعذيب، بينما لا يوجد مشهد عن التفاصيل في الفيلم، وأنه جرى التعتيم حتى على الصوت في النسخة المعدلة.
ووفق دانش، فإن الفيلم لا يروج للعنف فحسب وإنما يجعل المشاهد ينفر من العنف أكثر فأكثر، موضحا أن المشاهد المؤلمة التي سبق وعرضت في أفلام بعض مخرجي الأفلام المقربين من التيار المحافظ كانت أكثر إيلاما، فلماذا لم يعترض أحد حينها؟
صنفت صحيفة كيهان المحافظة الفيلم في دائرة أضعف أفلام المخرج عياري (مواقع التواصل) |
ملاحقة المتورطين
ولم يكتف معارضو فيلم بيت الأبوة بتوقيفه، بل يطالبون برفع شكاوى ضد جميع المسؤولين عن تصدير ترخيص العرض دون التأكد من حذف المشاهد المخلة بالآداب وتقاليد المجتمع، بينما أعلنت النيابة العامة في بيانها ملاحقة المتورطين والمقصرين في رفع الحظر عنه.
ووفقا لبيان النيابة العامة الإيرانية، فإن المدعي العام سيلاحق جميع المتورطين والمقصرين بدعوى إهانة المعتقدات الدينية وترويج العنف ضد المرأة وتشويه السنن والثقافة الإيرانية الإسلامية وقلب الحقائق بشأن الأسرة الإيرانية.
وفي السياق، طالبت بعض وسائل الإعلام المحافظة بمقاضاة جميع الذين أهانوا منتقدي الفيلم بنقد أو تعليق أو تصريح، فضلا عن بعض الفنانين الذين هاجموا المنتقدين ونعتوهم بأوصاف غير لائقة.