(كورونا) والتعلم عن بعد.. الأجهزة الإلكترونية تلحق أضراراً بأطفالنا

عمان 1 : تعددت سيناريوهات طرق التعليم في المدارس والجامعات، خلال جائحة كورونا للحفاظ على مسار العملية التدريسية، بعد ان ألزم الفيروس الناس الجلوس في منازلهم، وتعليق الدوام في الكثير من المؤسسات والشركات في المملكة. في الأردن، اختارت الحكومة التعليم المدمج ما بين التعليم عن بعد Distance Learning هو أحد طرق التعليم الحديثة نسبيًا، والتعليم المباشر، من ثم انتقال المدارس للتعلم عن بعد بشكل جزئي، تبعا للحالة الوبائية في نفس المنطقة، حفاظا على صحة وسلامة الطلبة، حسب تصريحات وزير التربية والتعليم.
وكما باقي بلدان العالم اتبع الأردن بروتوكولا صحياً عالمياً اقرته منظمة الصحة العالمية للتعامل مع العملية التعلمية في المدارس، من حيث عمر الطالب ومدى مقاومته للفيروس، على اعتبار أن الأطفال ما دون العاشرة يتمتعون بمناعة قادرة على مواجهة الفايروس بصورة أكبر مقارنة بالأجيال الأخرى. ولاقت تلك القرارات ردود فعل متباينة ما بين معارض يحرص على ذهاب طفله بشكل يومي للمدرسة، وما بين مؤيد يخشى من عدوى تصيب فلذة كبده وتطيح بجميع العائلة. ومع بداية العام الدراسي، التحق الطلاب من جميع الفئات العمرية بمدارسهم، وأبدى أغلب الأهالي ارتياحهم وباتت الفرحة تغمر أبنائهم بالعودة لمقاعد الدراسة ورؤية أقرانهم واللعب معهم، وما أن لبثت السعادة تغمر البعض، حتي صدرت قرارات بعودة بعض المراحل للتعلم عن بعد وفقا للحالة الوبائية.
باعتقادي، هنا تكمن المشكلة، فهذا ليس تعلم عن بعد بل هو استكمالا للبعد عن التعليم واستكمالا للتعلق بالأجهزة الإلكترونية فلم يعد بمقدورنا أن نخفي الأجهزة عن أبنائنا، بل أصبحنا نجهزها ونتأكد من شبكة الإنترنت ومن جودتها. من هنا، لا بد لنا من دق ناقوس الخطر، فمنازلنا باتت مصدر تهديد لمستقبل ابنائنا جراء استخدام هذه الاجهزة بشكل مستمر دون ان نستطيع السيطرة والتحكم في الساعات التي يقضيها الاطفال في استخدامها.
ولا شك أن له اضرارا كبيرة، أهما - بنظري- إضعاف وتقليل ذخيرتهم اللغوية لقلة النقاشات والحوارات التي أصبحت شبه معدومة جراء التعليم عن بعد. فالتعليم المباشر يتميز بفاعلية وقدرة عالية في التأثير في الطالب عن طريق التواصل البصري، ما يعزز الإدراك لدى الطالب، بالإضافة إلى محاولات الفشل التي يتعرض لها الطالب اثناء وجوده داخل الغرفة الصفية، ما يدفعه للمحاولة مرة أخرى لتحقيق نتيجة أفضل.
كل ذلك، يعمل عى صقل شخصية الطلبة ويساعدهم في تحديد أهدافهم ووضع خططهم المستقبلية، كما يساعد المعلم في تحديد نقاط القوة والضعف لدى الطلبة، والتي تمثل نقطة ارتكاز يبني المعلم على أساسها المحتوى التعليمي الذي ينسجم مع قدراتهم الذهنية.
فالتعليم عن بعد له أثر سلبي كبير على ذوي صعوبات التعلم وأطفال تشتت الانتباه المصحوب بالنشاط الزائد «اضطراب (ADHD)»، هذه الفئة تجد صعوبة في الاستمرار في متابعة أي نشاط، فيجب أن نستخدم معهم التعلم باللعب واستخدام الوسائل التعليمية لكي نشد انتباههم أطول فترة زمنية ممكنة لنحقق الهدف المرجو، فهم يعانون من قصور في واحدة أو أكثر من العمليات النفسية الأساسية التي تدخل في فهم أو استخدام اللغة المنطوقة أو المَكتوب.
يظهر هذا القصور في نقص القدرة على الاستماع، أو الكلام، أو القراءة، أو الكتابة، أو التهجئة، أو حتى أثناء القيام بالعمليات الحسابية وضعف بالإدراك، كما أنهم يفتقرون لعملية الانتباه الانتقائي، التي تهدف للتركيز على هدف واحد دون غيره فكيف سيتحقق الهدف في التعليم الإلكتروني مع هذه الفئة؟ وكيف ستقنعه في الجلوس أمام الشاشة، دون أن يقفز أو يقوم بأي نشاط ليخفف من كم الطاقة الكامنة داخله؟
أيضاً، قد نجد تباينا في مدى استجابة الطالب ومدى انخراطه في العملية التعليمية عن بعد، ويعود ذلك لمدى وعي ومصداقية الأهل أولا، ثم الطالب، فهناك من يجتهد ويتفاعل ويشعر بالمسؤولية وبتأنيب الضمير إزاء ذلك وهناك من لا يشعر بالمسؤولية بغض النظر عن مدى قناعته بفاعلية التعليم عن بعد ولكن هروبا منه من التعليم، ناهيك عن عدم مصداقية الطالب وتحمله للمسؤولية مما يدفعه للجوء لطرق أخرى للحصول على علامات لا تتوافق مع مستواه التعليمي ولا تنسجم مع أخلاقياته كطالب علم، ناهيك عن كم المهارات التي خسرها جراء ذلك.
ولا استثني الدراسة الجامعية من ذلك، فباتت هي الأخرى صاحبة الضرر الأكبر نتيجة تخريج أفواج في المستقبل لا تمت لتخصصاتها بصلة، وسوف أخص بالذكر التخصصات التعليمية التي سوف تخرج معلمين تلقوا تعليمهم الجامعي عن بعد، وهذا أمر بالغ الخطورة فسوف نشهد ولادة معلمين من نوع آخر، معلم يفتقر لعنصر الحوار؛ فهو لم يخض نقاشات ولم يتعرض لنقد بناء، فلن يتمكن من نقل أثر التعلم الى طلبته في المستقبل القريب.
من تجربتي الشخصية، كأم، فأنا لم أجد في هذه الطريقة المستجدة من التعليم أي فائدة تذكر، وبرأيي، جلوس ابني أمام الأجهزة أخطر بكثير من الوباء بحد ذاته كما أنها زادت العبء على كاهل الأهل؛ فأصبح الوالدين اليوم يقومان بدور المعلم، ناهيك عن وجود عدد كبير من الأهالي يفتقر للقدرة على إيصال المعلومة لأبنائه وذلك يعود للتباين في الفروق الفردية بين قدراتهم مما يدفع الأهل للجوء للدروس الخصوصية لتفي بالغرض بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعانيها جميعا.
من هنا، تزداد الفجوة بين الطلاب من حيث اكتساب المهارات الأساسية، فهناك من يتلقى المعلومة وهناك من يوهم ذويه بأنه يتعلم لكنه في الواقع على خلاف ذلك يلعب ويلهو ويفتح مواقع أخرى مما زاد من تعلق أبائنا بالأجهزة أكثر من السابق؛ أما أنا شخصيا أتابع ابني وأحاول أن أزرع فيه المسؤولية تجاه ذلك وأراقبه عن طريق مداخلات مني وتوجيه الأسئلة له محاولة أن استشف ما اكتسب وأتقن من مهارات ودائما أردد على مسامعه عبارات مثل «أنا أثق فيك ماما .. أنت على قدر المسؤولية.. أنت ذكي..طموحك ومستقبلك يستوجب منك جهد وصدق أكثر».
في المحصلة، الخطر يمسنا جميعاً ومصابنا واحد، وعلينا اليوم أن ندرك حجم الخطر الذي يهدد مستقبل أبنائنا والبحث عن حلول ذات جدوى.. فبقاؤهم في المنازل أسيري الأجهزة أخطر بكثير من الوباء بحد ذاته.