تعليم حق الإنسان أن يكون مفهوماً
عمان1:في سياق الحوار حول المبادرة، وفي ضوء التوصية من هيئة تحالف الحضارات، في الأمم المتحدة، بتعميمها، وإدراجها في المناهج المدرسية في كل العالم، وإعطائها بذلك فاعلية الشعار، ظهر السؤال: ما الذي سيتم تعليمه؟ ونقل الحوار من أهمية المبادرة وسياقها ومبرراتها، إلى مضامينها، كأساس لتعريفها وتوضيح مكوناتها والمضامين التي تنطوي عليها.
ولتحديد ما الذي سيتم تعليمه في سياق المبادرة، لا بد من الإشارة لمفصليها الرئيسين: الأول هو المضمون الاخلاقي (التبادلي) للشعار. يجب توضيح المسؤولية «حتى لا نُسلب الغمَّ على التقصير، فتطمئن إليه نفوسنا»، كما يقول النفّري. فهذا الشعار، ينطوي على مسؤولية أخلاقية مباشرة. إذ لا يمكن ضمان حق الإنسان أن يكون مفهوماً، دون الإلتزام به كواجب. وهذا من شأنه نقل تحقق القاعدة الاخلاقية من الامتناع عن الخطأ، إلى مجموعة واجبات وحقوق متبادلة للذات والآخر، يجب تحقيقها على المستوى العام. فالقاعدة الاخلاقية مسؤولية إيجابية فردية، وجماعية في ذات الوقت. فنظرية النظم في العلاقات الإنسانية تؤكد، أن القيمة الأخلاقية (تفاعلية) ولا تتحقق بالتعلق الفردي بفكرة الخلاص، بالامتناع عن الفعل الخطأ، بل هي واجب تبادلي وفعل إيجابي ضروري لتحقيقها. على الفرد بذل جهده لفهم الآخرين، وكذلك بذل جهده ليفهم الآخرون بعضهم بعضاً، ويضمن حقه أن يكون مفهوماً، بغض النظر عن صفاته التي تميزه وتمنحه هويته، من دين أو عرق أو جنس. مما يحول الهوية من جدران للعزلة، إلى واجهات للتفاعل الإيجابي.
فالمضمون الاخلاقي للفكرة، يساعد على تصعيد مكوناتها إلى حيز الممارسة الإيجابية. مما يستدعي وعي الفهم. فالمضمون التعليمي للمبادرة، متعلق بوعي ركني الفهم ومنهجيتيه المتكاملتين (الاختلاف والتشابه). وهذا الوعي، ضروري لمواجهة أشكال التضليل المختلفة. فالمبادرة، ليست مقترح وسيلة لإنهاء محاولات التضليل، وهي لا تدعي ذلك. ولكنها تسعى لجعل صناعة الجهل غير مجدية بتحصين البشرية ضدها. فتمكين المجتمعات من تحصين نفسها ضد صناعة الجهل، ضرورة لجعلها صناعة غير مجدية.
لقد كانت عملية التوعية بالمغالطات، ضرورة لتحصين المجتمعات منها. وقد اعتمدت لنجاحها على تصميم نموذج لقياس صحة العبارة وتقييمها. فثورة المنطق الأولى، في القرن الرابع قبل الميلاد، ارتكزت على ركنين: الأول كشف المغالطات وتوضيحها وشرحها وتصنيفها، والثاني تقديم قواعد لآلة قياس، تمكن من فحص صحة العبارة، وتساعد على التمييز بين العبارة الفاسدة والعبارة الصحيحة، وتساعد على صياغة العبارة الصحيحة. ولكن المنطق لم يسعى لمنع التضليل. كذلك المبادرة، هدفها توضيح تقنية الاختلاف، وتحديدها، وتوضيح تقنية التشابه، وتمكين الأفراد والمجتمعات من التحصين ضد صناع الجهل، دون الاشتباك لمنع ماكينات هذ الصناعة.
لقد انطلقت المبادرة من فرضية، أن تعزيز الوعي بوجود تقنيتين متكاملتين في ديناميكا الفهم (الاختلاف والتشابه)، ضروري لتحصين الإنسان وحمايته، من التضليل المستند على هيمنة الفهم بالاختلاف. فصناعة الجهل وممارسة التنميط بين الثقافات، قائمة على أساس تعزيز ركن الاختلاف في الفهم. فتقنيات الاختزال والتذويت، هي ادوات هدفها تظهير الاختلاف، وتجاهل التشابه وإهماله والتقليل من أهميته، وتقليل العناية به. فالفكرة الشوفينية قائمة على أساس تظهير الاختلافات، لتأسيس التعالي القومي أوالعرقي أو الديني.
فالمادة التعليمية المقترحة سوف تتضمن مكونين: الأول توضيح المضمون الاخلاقي الإيجابي لضمان تمتع الإنسان بحقه أن يكون مفهوماً. والثاني توضيح ديناميكا الفهم ومنهجيتيه المتكاملتين (الاختلاف والتشابه). وهذه المهمة، تصميم مادة تعليمية للمراحل التعليمية المختلفة، حول هذين الجانبين، ضرورة لتطويرالمبادرة وانضاجها، وانفاذها حسب توصية الأمم المتحدة. وهذا المقال ليس وصفاً للمادة التعليمية، ولكنه إشارة للمكونين الأخلاقي والمعرفي لمضمون المبادرة.
جمال الطاهات - الدستور