حكومة ونواب في عين العاصفة

ليس المهم أن تتخذ قرارا فحسب وانما الاهم  أن يكون القرار صائبا  والتوقيت مناسبا، 

 

ولعل سر نجاح عدد قليل من رجال الدولة والسياسة في أي مجتمع  يكمن في القدرة على أتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب، ولذلك كانت السياسات الخارجية أو الداخلية في كثير من الدول  تتحرك دائما بين نجاح أو جمود أو تراجع وفقا لتغير أصحاب القرار من الوزراء ورؤساء الحكومات  وقدرة كل منهم على أتخاذ القرار الصحيح في التوقيت المناسب  حسب البيئة المحيطة والواقع  .

 

ولعل ما يتصف به بعض  من رجال الدولة الذين مروا في تاريخ المملكة من حصافة أنهم كانوا  يدركون ببصيرتهم  التوقيت المناسب لكل قرار من خلال فهمهم الدقيق للواقع وتوقع ردود الفعل والنتائج .

 

وفي قرارات الحكومة الاخيرة  ابتداء بالتعيينات وانتهاء برفع أسعار المحروقات فان وزير الصناعة والتجارة مثلا يستطيع أن ينبري للحوار ويأتي بعشر حجج تدلل على صحة قراره برفع أسعار المحروقات، وكلها حجج قوية على الورق فقط  أما في الواقع العملي فانها تتهاوى جميعا أمام مخاطر البؤس الاجتماعي وأنعكاسات القرارات على الوضع المعاشي للمواطن  من ناحية، ومن ناحية أخرى فانها قرارات تسلم ذقن الحكومة للمعارضة وتدفع قوى متنافرة الى التوحد في مواجهة الحكومة وقراراتها  .

 

وحتى الاسبوع الماضي كانت الحراكات في تراجع متواصل منذ أشهر وابتعدت الحركة الاسلامية عن الدعوة الى تنظيم مسيرات أو مهرجانات كبرى خوفا من الفشل في حشد جماهير غفيرة، ورأينا حراكات في الجمع الماضية في مدينة مثل السلط لم يتجاوز عدد المشاركية خمسين شابا، ثم ابتداء من مساء الجمعة الماضية تضاعفت الاعداد وأبتدأت المسيرات المسائية، وسرعان ما التقطت الحركة الاسلامية الفرصة وعادت للتحرك ضد الحكومة  - انهم يتقنون فن أختيار التوقيت المناسب -  كيف لا والنواب انتهزوا لحظة الحدث فسارعوا لتنظيم  وقفة أحتجاجية أمام مبنى مجلس الامة أمام عدسات الاعلام وتسابقوا على توقيع عريضة حجب الثقة عن الحكومة !! .

 

صحيح أن جلالة الملك يترك للحكومة ممارسة سلطاتها وأختصاصاتها الدستورية وولايتها العامة على شؤون الدولة، ولكنه أيضا كرأس لكل السلطات يراقب ما تقوم به  ويتابع القرارات والنتائج  ويتدخل في الوقت المناسب لتصويب القرارات، وهذا ما حصل  مرات عديدة حين كان جلالته دائما صمام أمان المواطن في وجه أي قرار متسرع أو خاطىء لحكومة.

 

ولذا لم يكن مفاجئا  أن يأمر الملك الحكومة بتجميد قرار رفع أسعار المشتقات النفطية ففي اليوم التالي للقرار – السبت -  كان أكثر من مراقب وسياسي يتوقعون تدخل الملك لوقف القرار  وكان  حدسهم في مكانه وتوقعاتهم صائبة  , ولكننا يجب أن ندرك أن أصدار الحكومة لقرار خاطىء ومبادرة الملك بوقف القرار ليس أنتصارا ولا أنجازا في طريق الاصلاح لأن الاصل ألا تتخذ الحكومة القرار  , في حين أن وقف القرار يعني العودة الى المربع الاول .

 

الان تم وقف القرار الذي أثار الازمة ووسع قاعدة المعارضة  فهل يمكن العودة بعقارب الساعة الى الوراء  ؟؟ هل سيمكن أحتواء  ذيول الازمة وعودة  المواقف الى ما  كانت عليه قبل الجمعة ؟؟  أشك في ذلك، ولكنني في نفس الوقت أرى أنه يمكن رصد جوانب أيجابية فيما جرى، ومن ذلك أن الازمة ستعجل برحيل النواب والحكومة من بعدهم  وتعجيل القرار بتحديد  موعد الانتخابات النيابية، وبالتالي الاحتكام الى الخيار الديمقراطي  للشعب  لأخراج الحكومة والنواب من عين العاصفة.

 

وأخيرا فان موعد التسجيل في سجلات الناخبين ينتهي بعد ثلاثة أيام  في ظل أقبال ضعيف بالقياس الى العدد المتوقع لمن يملكون  حق الاقتراع، ولذا فانه اذا كان ثمة توجه  لتمديد فترة التسجيل فان التمديد لن يكون مجديا في ظل المعطيات الحالية في حين سيكون التمديد ( ضربة معلم ) اذا كان متزامنا مع رحيل النواب والحكومة، وفي مثل هذا التوقيت فان عدد المسجلين في جداول الناخبين سيتجاوز مليونين ونصف مليون مواطن.

زر الذهاب إلى الأعلى