محمد الصبيحي يكتب : سرحوا فينا .. !!

 يحكى أن مرشحا للأنتخابات النيابية ذات يوم من صحوة ديمقراطية - تم وأدها في مهدها –أجتاح الشارع الانتخابي ببلاغة خطابية نادرة فالتهبت القاعة الوحيدة في وسط المدينة بالهتافات بحياته والتصفيق لشجاعته حين أعتلى المنصة ملوحا بالويل والثبور وعظائم الامور لرئيس وزراء أسبق اذ كال له من الشتائم والاتهامات باللصوصية والفساد حتى وصل عظام أجداده الذين لا تجوز عليهم إلا الرحمة , فهاج الشارع وماج للبطل الجري وحمله الناخبون الى عمان  في شبه أجماع قل نظيره .

حبس الانصار أنفاسهم بانتظار ما سيفعله البطل تحت القبة .. ومرت الاشهر ولم تسفر الخطابة عن فعل فتسلل الاحباط الى جمهور الانصار بعد أن تنقل البطل بين المناصب الوزارية فاذا به يقبل رأس من أتهمهم بالفساد ليكتشف الانصار أن العلاقة بينه وبين من أتهمهم سمن وعسل ومحبة ورضا ومشاركة حميمة  على الولائم التي يجري تدبيرها بدهاء , بل وصل الامر أن يذهب اليهم مستأذنا بالترشح لأنتخابات لاحقة فاز فيها بشق الأنفس حتى وصل الى ما وصلوا اليه من رفيع المناصب .

نظر الشباب في وسط المدينة العتيقة الى ما جرى ويجري وما يحار العقل في فهمه والحكيم في تفسيره حتى وصل بهم الامر الى الكفر بالديمقراطية والزعامات التقليدية والجديدة على حد سواء  فمنهم من خلد الى التواري ومنهم من أستسلم لليأس والقهر ومنهم من أطلق لحيته وأنحاز الى التطرف منتظرا فرصة الانقضاض على الواقع وتغييره بالعنف , فيا لطف الله في القادم من الايام ..

وحين سألت أحد الانصار وكان ذلك اليوم الموصوف  قد أنتفخت أوداجه بالهتاف وكاد أن يقضي من شدة الحماس والهياج , سألته عن ما يجري صمت قليلا ثم قال : سرحوا فينا ....

يقال أن ليس للسياسة دين ولا مبدأ سوى المصالح ونضيف الى ذلك أن الطبقة السياسية الاردنية وان أتقنت لعبة المصالح وتبادل الكراسي وعضوية الشلل فان حدود التنافس مرسومة بدقة ضمن دائرة لا يتخطاها أحد الا في حالات أستثنائية تتعلق باستمالة الشارع وأستقطابه لأجهاض الوعي السياسي في ظرف طارىء  , وهذا يحقق نتائج آنية يستفيدون منها ردحا من السنوات غير أن كلفة ذلك على الوطن ثقيلة , ففاتورة اليأس السياسي والاجتماعي الذي يضرب الشباب بقوة ويتغلغل الى أعماق قلوبهم يقود تفكير كثيرين منهم الى ما لاتحمد عقباه ويهز أركان انتماء المواطن لبلده ويمد أبصار كثيرين خارج المنظومة الوطنية والاجتماعية العريقة وقد رأينا منهم العشرات ممن التحقوا خارج الوطن ثم عادوا بشخصية ونفسية لم نألفها من قبل ولم نعد  حتى نحن الذين خارج الطبقة السياسية الرسمية نصلح للحوار معهم .

ان لعبة الطبقة السياسية الاردنية  تتحمل مسؤولية خلخلة انتماء الشباب لوطنه , وتتحمل مسؤولية جلب التطرف الى الوطن , وتتحمل مسؤولية أرتفاع الفاتورة الامنية للمملكة , فالصراحة الزائفة والعدالة المفقودة والفرص الديمقراطية الضائعة كانت وما تزال بذورا لنبات مر كطعم العلقم قد يقف في حلوقنا ولا نستطيع  منه خلاصا .

أيها السادة : أقرأو حركة المجتمع جيدا فلعل شيئا من الحرص والرعب يستيقظ في عقولكم فينصلح بعض حالكم . 

زر الذهاب إلى الأعلى