محنة القضاء الدستوري والأداري العربي
عمان1:استوقفني قرار للمحكمة الدستورية الألمانية في دعوى رفعتها منظمات أهلية غير ربحية تعنى بحماية البيئة إذ حكمت المحكمة بضرورة تعديل قانون حماية المناخ في ألمانيا الاتحادية ليتضمن المزيد من التخفيضات الطموحة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، واعتبرت المحكمة أن فشل الحكومة في حماية المناخ للأجيال القادمة مخالف للدستور.
هذا قضاء متحضر رفيع المستوى، وبمثله سبقنا الغرب وتفوقت علينا امم، لأن أصحاب القرار في بلادنا العربية لا يدركون أن القضاء هو الدينمو المحرك لنهضة المجتمع وضامن استقامة الإدارة الحكومية.
أصحاب القرار في بلادنا العربية يضعون النصوص الجميلة في الدساتير بينما يقف معهم شياطين القانون لوضع تشريعات تقيد الدساتير وتكبل القضاء وتجزئ مرفق العدالة لتسهل السيطرة عليه.
في بلادنا مئات المنظمات الأهلية التي تتلقى الدعم من الداخل والخارج ولكنها لم تتقدم مرة واحدة إلى القضاء دفاعا عن المستهلك.
في بلادنا العربية محاكم دستورية أبوابها واسعة مفتوحة ولكن القوانين تغلق تلك الأبواب بتضييق الجهات التي يحق لها الطعن أمام المحكمة الدستورية، حتى أصبحت المحاكم الدستورية مجرد مبنى مهيب لا حياة فيه يأتي القضاة ويذهبون بلا عمل ينجزونه أو أجتهاد يصيبونه.
القضاء الاداري بدوره تجمد أمام رعب ورغبات السلطة السياسية في بلادنا العربية حتى أصبح في بعضها مجرد غطاء لشرعنة الانحراف والتعسف الذي تمارسه الادارات الحكومية، ففقد رجال القانون الرغبة في الترافع أمام المحاكم الإدارية، وفقدوا الدافع للاجتهاد والتطوير مثلما فقد رجال القضاء الاداري القدرة والجراة على إيقاف السلطة الإدارية المنحرفة عند حدها.
ان الحقيقة المرة التي يجب الجهر بها انه لا يوجد في الدول العربية قضاء دستوري او إداري حقيقي وان مشاريع الديمقراطية والأصلاح الاداري لايمكن لها أن تصنع شيئا بدون قضاء دستوري فاعل وقضاء إداري يبسط سلطته الرقابية على الإدارة الحكومية.
ان اي عملية تطوير او تحديث او هيكلة للقطاع العام يجب أن تبدأ بتطوير القضاء الاداري ورفده بالكفاءات وحثه على الأجتهاد وتفعيل دور النيابة العامة الإدارية وتوسيع اختصاصاتها إلى التحقيق والأحالة إلى القضاء، لا ان تبقى محصورة في مهمة الدفاع عن القرارات الحكومية المخالفة للقانون.
لا أمل إطلاقا في تقدم المجتمعات العربية ما دامت السلطات السياسية تتوجس من القضاء وتعمل جاهدة على تهميشه وتجزأته وتشرع القوانين التي تنص شكليا على استقلال القضاء بينما تختطف هذا الاستقلال بزعزعة الأمن الوظيفي للقضاة وتهديد أمنهم الاسري والاجتماعي في بعض الدول وإفراغ القضاء من الكفاءات التي تستعصي على الاستمالة والرضوخ .
ان غياب العدالة وانتشار ظلم الأقوياء والنافذين والمنافقين في دهاليز السلطة السياسية في معظم بلادنا العربية نذير شوم على مستقبل تلك البلاد فالتاريخ يكرر المعادلة التاريخية الثابتة ان سقوط الدول يبدأ من سقوط قضائها ونهوضها يبدأ باستقلال قضائها ونفاذ سلطته على الجميع.
المحامي محمد الصبيحي