الجامعات العربية بين الأمس واليوم، بين الفخر واللوم 

عمان1:استوقفني من عدة أيام تقرير يعود لبضعة سنوات مضت، يستعرض بتجرد أرقام ومعطيات تهم مؤسسات التعليم العالي بالعالم، أكثرها ريادة وإنتاجية.
لا يحتاج القارئ اللبيب طبعا لتوصيفي للحال المزري للجامعة العربية هذه الأيام، فكلنا خريجوها وجميعنا يستطيع تعداد الكثير مما ينحو بالجامعة منحى آخر غير الذي جعلت لأجله ذات يوم مبارك من سنة 858 م عندما أطلقت فاطمة الفهرية قدس الله روحها بفاس فكرة "الجامعة" بتأسيسها القرويين بتمويل خاص، وبعدها جاءت جامعة بولونيا 1088م و السوربون 1160 م وأكسفورد 1167م ، ثم الزيتونة والأزهر ...
لقد اعتدنا كلما ابتغينا تشريح الحال واستشراف المآل، أن نعقد مقارنات بيننا وبين الغرب، لا أقول ان المقارنة غير سوية، بقدر ما أحسب أن المقارنة بين أمسنا وحاضرنا أولى، لا للتحسر على أطلال عبس وعكاظ، ولكن للتساؤل ما الذي حدث حتى أصبحت الأمة معدمة من أمثال ابن خلدون وابن الهيثم والرازي وابن رشد وابن سينا والخوارزمي والنفزاوية ومريم الجيلي المشهورة بالإسطرلابي وآخرون وأخريات ....

خلا التصنيف في الرتب المئة الأولى من أية جامعة عربية ما خلا جامعتين سعوديتين ولما استقصيت عنهما وجدت أن معظم الأطر المدرسة بها أجنبية، وأن الإنفاق فيها عال، وهذا من المطلوب فأن تنفق على دكتور واتسون خير من إنفاقك على "مستر گيمز Mister Gaims" أو "اللايدي غاغا Lady Gaga"، بيد أن الإستثمار في العنصر البشري العربي أيضا أمر بالغ الأهمية ومن ألح عناصر بعث الأطر والتنقيب عن الكفاءات مع توفير آليات الإشتغال طبعا، من مختبرات ومكتبات وسائطية ومراكز بحث علمي ومراكز تدريب جامعية خاصة في المجالات العلمية كالطب والمكانيك والفيزياء، إذ لا يعقل بحال أن يتم تدريس مواد هذه العلوم في الجامعة -كما يحدث حتى الآن في أغلب الجامعات للأسف - بإلقاء نظري عمودي، وبأسلوب قصصي شأنها في ذلك شأن قصص جحا، على ما في قصص جحا من طرفة تعوز العلوم التطبيقية..

أضف إلى ذلك أن الأرقام الرسمية - التي تكون غالبا مجرد غيض من فيض - تؤكد أن السواد الأعظم من طلبة العلوم الإنسانية لا يقرؤون ولو كتابا واحدا في تخصصهم خلال سنوات التخرج الثلاث أو الأربع بل يكتفون بمطبوعات أساتذتهم فحسب.. كما أن عددا مهما من الطلبة يعانون من صعوبات مجردة وأحيانا مركبة في ملكات التعبير الكتابي أو الشفوي أو منهج التفكير المنطقي أو في إعمال المنهج العلمي في دراسة قضية ما ، وغالبية الطلبة يعجزون عن الوصول للمراجع بسبب عدم توفر الجامعات على مكتبات غنية، ناهيك عن القصور في تعلم اللغات الأجنبية للإطلاع على ما استجد في مختلف التخصصات لدى الغرب على الأنترنت كحل أخير  ..

ومن جهة أخرى أثبتت الدراسات وثبت من احتكاكاتنا اليومية بالأشخاص أن الغالب الأعم من طلبة الجامعات يختارون تخصصاتهم تبعا لمنطق السوق، وبغية الحصول الأسرع على الوظيفة، ولا شك أن هذا يقتل الشغف والإبداعية، ويركز الجهد على الوصول للغاية بصرف النظر عن الوسيلة كالغش أو العنف أو الإبتزاز الجنسي أو الرشوة وهي ظواهر تقض بنيان جامعاتنا العربية التي على كل ما ذكر ما زالت تقاوم - ولله الحمد - وتخرج أطرا أكفاء ترفع رؤسنا عاليا بين الأمم، وتوضح لنا أن أمثال العمالقة الذين استهللنا بهم المقال ما زالوا فينا، وما زلنا نحملهم في ثنايانا على أن نعيد الإعتبار للعلم والمعرفة والثقافة في البيت الفوضوي أولا وفي التلفاز التافه والسوق الصاخب والحمام المعد للنمائم والتمائم،  والباص المهترئ، وبعدها في المدرسة  والجامعة التي جعلت للعلم وليس لشيء آخر،  العلم الذي ليس رفاهية ولا زيادة في لحن القول، إنما هو العصب المركزي لقيام الشعوب والذي إذا انقطع أو خدش حتى، شلت الأمم وصارت عبئا مركونا في زوايا التاريخ الذي لا يرحم .

أجدور عبد اللطيف - المغرب 

زر الذهاب إلى الأعلى