شمعة في نفق القضاء الاداري 

عمان1: كتب المحامي محمد الصبيحي
أضاءت المحكمة الإدارية التونسية شمعة في نفق القضاء الاداري العربي ، حين قررت إلغاء مرسوم رئيس الجمهورية بعزل ثلاثة وخمسين قاضيا رغم خلو ملفاتهم من مخالفات توجب عزلهم او معاقبتهم وفق أحكام قانون القضاء.
وقد تبين أن قرار العزل الرئاسي تم بتنسيب من  وزيرة العدل التونسية بناء على تقارير من الجهات الأمنية وهو الجانب الأكثر خطورة على استقلال القضاء إذ لا ضمانات أن لا تكون معظم التقارير ملففة وانتقامية وعرضة للأهواء الشخصية 
لا يجرؤ قضاء إداري في اي دولة عربية على إلغاء قرار صادر عن رئيس الدوله، ففي دول تغيب عنها السلطة البرلمانية المنتخبة بحرية الارادة الشعبية ونزاهة وشفافية العملية الانتخابية ، لا يمكن أن يتوفر فيها قضاء إداري مستقل وشجاع ومحصن من كل أنواع الضغوطات المادية والمعنوية، وينعكس الأمر على السلطة القضائية بمجملها. 
أن القضاء الاداري بالذات هو الرقيب الحازم على أعمال السلطة التنفيذية بأشخاصها ومؤسساتها وهي رقابة اكثر فعالية وديناميكية من الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة، وهي رقابة لا تخضع للحسابات السياسية والتيارات الحزبية والضغوط الانتخابية والمجتمعية.
والقضاء الاداري بطبيعته هو القادر على وقف تعسف السلطة التنفيذية التي هي الطرف القوي في المعادلة ضد الطرف الأضعف اشخاصا و مؤسسات مجتمع مدني. 
القضاء الاداري المستقل والفعال هو المؤشر الحقيقي على ديمقراطية النظام السياسي للدولة. 
ومن هنا فليس هناك مصلحة لأي نظام سياسي غير ديمقراطي بوجود قضاء إداري مستقل.
ما كان القضاء الاداري التونسي قادرا على اصدار مثل هذا القرار في زمن نظام بن علي دون أن يتعرض للبطش والتصفية، فمثل هذه القرارات تحتاج الى ظروف سياسية مواتية وتكاتف أعضاء السلطة القضائية وقضاة شجعان. 
فحين يتكاتف رجال القضاء ويساندون مؤسسة القضاء لن يكون هناك سلطة قادرة على حل أو إلغاء او اختراق السلطة القضائية، إذ لا يمكن تصور وجود دولة بدون قضاء او قضاء متوقف عن العمل. 
إن قرار المحكمة الإدارية التونسية الحكيم والشجاع يؤسس لمرحلة جديدة في القضاء التونسي بكافة فروعه واختصاصاته وسيظل هذا القرار شمعة في النفق المظلم الذي يمر به القضاء الاداري العربي المترنح تحت سطوة الانظمة السياسية.

زر الذهاب إلى الأعلى