تطوير المناهج: حدث في السعودية

عمان1: كان النظام التعليمي في الأردن في القرن العشرين متقدما تربوياً. فلدينا قانون للتربية والتعليم نعمل بموجبه، ولدينا أجهزة تنفيذية مدرّبة، ولدينا مناهج تربوية مقبولة، وكانت نتائج طلابنا متقدمة على نتائج الطلبة العرب، وكان نظامنا التربوي سهل التصدير إلى دول عربية عديدة منها دول الخليج، وكان معلمونا وخبراؤنا يملأون وزارات التربية العربية ومدارسها.

وكان أن تعرض نظامنا التربوية إلى نكسات متتالية، منها:

-غياب المؤسسية في النظام التربوي إلى درجة أن وزيراً مغموراً يقرر وحده، ولا يعترف برأي أحد، أو يلجأ إلى أنصاف المستشارين وأشباه الخبراء.

-ضعف شديد في تكوين مجالس التربية والتعليم، إلى درجة أن عضوا يحمل لقباً غير قابل للنقد، يقرر ما يشاء دون مساءلة أو كما يقال بغير حساب!

-وقلنا مراراً بسيطرة ثقافة معينة على وزارة التربية منعت إحداث نقلات – ولو علمية- في النظام التربوي، ولذلك طولب مرارا بنقل المناهج بعيداً عن الوزارة، وهذا ما كان!

جاء القرار بإنشاء مجلس "أعلى” للمناهج برئاسة د. عدنان بدران ومركز وطني بقيادة د. ربا البطاينة، ولكن بقيت سلطة إقرار المناهج منوطة بمجلس التربية والتعليم الذي يرأسه وزير التربية، ومن الطبيعي أن يكون القرار للوزارة بكل ما فيها من ثقافة، إذن بدلاً من أن تشرف وزارة التربية على عمليات التأليف وتشكيل لجان، صار المجلس هو المشرف، وبقيت الوزارة هي صاحبة الكلمة النهائية، ولذلك يخشى أن يُفصّل المجلس عمله وفق معايير وزارة التربية! يعني "كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.

انطلاقاً مما سبق، فإن عمليات التطوير ستبقى مقيدة، حيث تطالب وزارة التربية باستعادة الأندلس، خاصة وأن الأندلس ليس فيها "الفرنجة”!، وأبرز مخاوفي مما يأتي:

1- أصدرت المملكة العربية السعودية قراراً بتطوير مناهجها وخططها وأقرّت تدريس مادتي: تعليم التفكير وسيادة القانون.

في مادة تعليم التفكير قد يكتسبون مهارات البحث العلمي والتجريب والنقد والشكل وفحص البديهيات، والتمييز بين الأسباب والنتائج وبين الحقائق والآراء، وكشف المغالطات والتناقضات.

وفي مادة سيادة القانون قد يتعلمون أن القانون فوق الجميع، وأن المصيب والمخطئ يجب أن يلجأ إلى المحكمة، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ولا أحكام عشوائية بالتكفير، ففي الوطن قانون، ولا يجوز أن تكون هناك حسابات ضد القانون، فالسارق يحول إلى المحكمة، والفاسد كذلك، فلا حكم لغير القانون!

قد يتعلمون هذا أو أكثر أو أقل، هذا يعتمد على أغراض هذا التطوير! هل هو شكلي أم حقيقي؟ هل هو قناعة أم ضغوط؟ هذا كله لا يهمني، ولست من يحاسب على النوايا أو الدوافع ففي السعودية تعليم تفكير وسيادة قانون، وهذا لا شك تطور مهم جداً!! ما يهمني ما يأتي:

1-قبل عشر سنوات صرح وزير التربية السعودي بأنه قرّر السماح للطالبات بحصة "رياضة”، كانت الرياضة ممنوعة ومحرّمة، حينها صدرت مئات الفتاوى، بتحريم رياضة البنات وذكروا عشرات الأسباب لمنع الرياضة أهمها: حماية المجتمع من انحراف مؤكد!

المهم، اضطر وزير التربية السعودي أن يعدّل تصريحه، وقال: حصة رياضة البنات ليست عملية إنما نظرية، وأن البنت لن تمارس الرياضة في المدرسة، بل ستقرأ عن أهمية الرياضة. ومع ذلك، أُقيل الوزير بطريقة "مهينة” في أثناء حضور مؤتمر في الكويت.

إذن نجحت المؤسسة الدينية السعودية في تحقيق عنصري الجمود والاستقرار.

2-والآن! تقرر الوزارة في السعودية ما هو أكثر خطورة من رياضة البنات، إنها تسعى لتعليم التفكير وسيادة القانون! ومع ذلك لم يعترض أحد، وسكت جميع أصحاب الأصوات. فما الذي اختلف في الحالتين؟

في المرة الأولى، كان الوزير مغامراً، فهبت بوجهه عواصف مدعومة بالقرار السياسي. وفي المرة الثانية، كان الوزير مدعوماً بإرادة سياسية قوية، صمت الجميع، ولم نسمع عن أي تحرك ضد القرار.

إذن المعادلة واضحة، سلطة سياسية قوية تسيطر على القرار، وتخضع له مؤسسات الدولة، فسيادة القانون تقول: القانون فوق الجميع، ومن لا يعجبه القانون فعليه أن يسعى لتغييره بالطرق القانونية لا عن طريق اختطاف المجتمع وإثارة غرائزه!
هذه المعادلة طبيعية جداً، ولا يجوز أن تكون مؤسسات الدولة أو بعضها أو حتى أحدها ضد قرار الحكومة، فوزارات التربية والشباب والثقافة والأوقاف كلها مؤسسات حكومية تخضع للقانون، ولا يجوز أن تغرد مؤسسة أخرى خارج لحن الحكومة!

 

عودة إلى موضوع التطوير التربوي، فإن متطلبات التطوير هي: جهد وطني- لا يستثني أحداً- مدعوم بإرادة سياسية لا تخضع لأحد، مهما كان هذا الأحد!، فهل يجوز أن يعترض أحد- حتى لو كان بمنصب مهم- على وجود مواطن في مؤسسة وطنية؟

نتمنى أن تكون لدينا حكومة وقانون فوق الجميع، ونتمنى أن يفهم الجميع أن كل مواطن له الحق في أن يشارك في بناء الوطن، وأن لا يعزل من حيث المبدأ، بل يحاسب على ما يفعل فقط، ولا قيمة لاجتماع فردي نهاراً وسلوك مخالف ليلاً.

قوة الدولة وقوة الحكومة هي قوة لنا جميعاً، نريدها أن تحسب حساباً لمن يريد تعليم التفكير تماماً كما تحسب ألف حساب لمن يرفضون تعليم التفكير سراً وعلنياً، خاصة وأننا نفخر جميعاً بمؤسساتنا الدينية وفي مقدمتها دائرة الإفتاء التي تؤكد دائماً أنها مع تطور الفكر ونمو الحضارة الإنسانية.د. ذوقان عبيدات

زر الذهاب إلى الأعلى