الكل يكذب عند قبر رابين
عمان1:طغى التراشق الكلامي بين رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، ورئيس «ازرق–ابيض»، بيني غانتس، على مناسبة إحياء ذكرى مقتل اسحاق رابين في الكنيست، بما يشير إلى عمق «العقدة السياسية» التي لا تزال تحول دون تشكيل حكومة جديدة، وتزيد من احتمالات التوجه نحو انتخابات ثالثة.
وكان قد وّجه حفيد رابين، يوناثان بن أرتسي، امس، انتقادات حادة لنتانياهو، في الحفل الرسمي لذكرى مقتل رابين، والذي أقيم في ما يطلق عليه «جبل هرتسل»، حيث توجه في كلمته إلى نتانياهو وباقي قادة الأحزاب بمطالبتهم بتحمل المسؤولية عن أفعالهم و«من التصقت به وصمة فليتنح جانبا»، مضيفا «اذهبوا إلى بيوتكم، وواجهوا الادعاءات الشخصية ضدكم».
وفي جلسة خاصة عقدت في الكنيست بالمناسبة ذاتها، رد نتانياهو على بن أرتسي، ووصف أقواله بأنها «تهجم سياسي فظ ومخز».
وقال نتانياهو إن «هناك من قرر استغلال هذه الذكرى للتهجم السياسي الفظ والمخزي، والذي يمس أكثر بذكرى رابين»، مضيفا أن هذا ما حصل بعد أن تحولت الوقفة في ساحة اربين إلى «وقفة لـ» ازرق -ابيض».
وادعى نتانياهو أن كثيرين طلبوا منه عدم المشاركة في حفل الذكرى، ولكنه أصر على ذلك باعتبار أن «رابين كان رئيسا لحكومة الجميع»، وأن المناسبة رسمية لرئيس حكومة إسرائيلية.
بعد ذلك توجه نتانياهو في خطابه إلى رئيس » ازرق -ابيض»، بيني غانتس، بالقول إنه لم يسمع منه أي إدانة لـ«محاولة قتل رئيس حكومة» أو اتهامه بـ«الخيانة»، مشيرا إلى اعتقال الشرطة لأحد سكان «أشكلون» (عسقلان) بشبهة نشر تحريض في موقع التواصل الاجتماعي ضد نتانياهو وعائلته.
كما ألقى غانتس كلمة في الكنيست، تحدث فيها عن التحريض على منتخبي الجمهور. وقال «في هذه الأيام، هناك بعض القادة يقودون حملة نزع شرعية والتي يتوقع أن تكون نتيجتها تفكك المجتمع الإسرائيلي».
وأضاف أن هذا التحريض يصل إلى الشارع، لافتا إلى الهتافات التي أطلقت، في عسقلان ضد غابي أشكنازي، والتي وصفها بأنها «خطيرة»، مضيفا أنه يجب على الجميع محاربة هذه الظاهرة بدون هوادة. على حد قوله.
وتابع أن «كل من يرى نفسه زعيما يجب أن يكافح التحريض»، داعيا إلى جسر الفجوات والبحث عن المشترك.
وقال أيضا إن «إسرائيل مشلولة منذ أن تقرر تقديم موعد انتخابات الكنيست الـ 21 لأسباب شخصية، وتم حل الكنيست في الظروف التي تقود إلى جولة انتخابات أخرى».
وبحسبه، فإن «إسرائيل مشلولة ليس بسبب عقدة سياسية، وإنما بسبب إجراء قضائي»، مضيفا أنه «يجب تذكر أن الشعب لا يخدمنا، بل نحن نخدم الشعب، ويجب وضع مصالح الدولة قبل المصالح الشخصية لكل واحد منا»، في إشارة واضحة إلى نتانياهو.
وتابع أن «هذا الشلل هو أرض خصبة لتعميق الشروخات والخلافات»، وأنه خلافا لما كان عليه الوضع قبل القتل (قتل رابين) فإن مصدرها، اليوم، ليس معارضي السلطة، وإنما في وسط كثيرين من داعميها وفي داخل السلطة أيضا.
وقال أيضا إن الأجواء في إسرائيل، اليوم، تشكل «خطرا يحوم فوق المجتمع، حيث أن بعضا من قادة الجمهور لا يجرون نقاشا شرعيا مطلوبا وضروريا، وإنما حملات لنزع الشرعية تكون نتيجتها تفكك المجتمع الإسرائيلي».
وأضاف أنه يجري التآمر على الشرطة والجيش والجهاز القضائي لدوافع شخصية وسياسية، بينما «يريد الجمهور مصالحة ووحدة، بدلا من هذه الأجواء المتعكرة».
وتوجه غانتس إلى نتانياهو بشكل مباشر بالقول إنه جلس معه مئات الساعات، واتخذا سوية عشرات القرارات الصعبة كان لها تأثير على حياة وأمن الإسرائيليين، عندما كنت (نتانياهو) رئيسا للحكومة، وأنا رئيسا لأركان الجيش».
وقال إنه لم يعتقد أبدا أن «عمليات سرية» سيتم الكشف عنها، وإنه كان يعتقد أن «الأمن هو شأن يبقى فوق السياسة، ولكن، كما يبدو، فإن الاعتبارات الشخصية هي التي تملي العمل الأمني، وليس العكس».
وقال لنتانياهو أيضا إنه «على المستوى الأخلاقي، وأيضا على المستوى العملي، لا يمكنك أن تقود الحكومة في حال قدمت لائحة اتهام ضدك».
من جهته قال رئيس حزب «العمل»، عمير بيرتس، إن «الحرب على حراس العتبة والنيابة والشرطة والمحاكم تصم الآذان، لدرجة أن المواطنين لا يعرفون من يصدقوا. التحريض يرفع رأسه ثانية، وتطلق أصوات الكراهية والانقسام من كل صوب، بما يذكر بما حصل قبل مقتل رابين. فهل تم استخلاص العبر؟» على حد قوله.
من جهته، يستبعد الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، احتمال حدوث اغتيال سياسي آخر في إسرائيل، وذلك خلال كلمة في مراسم ذكرى اغتيال رابين، أقيمت في ديوان الرئيس الإسرائيلي. وحذر ريفلين من تنامي «خطاب الكراهية» بين الخصوم السياسيين.
وقال ريفلين إنه «يحظر علينا أن ننسى المنحدر الأملس بين التحريض والكراهية وبين إراقة الدماء». وأضاف «هل قتل إنسان على خلفية آرائه، أو نشاطه الأيديولوجي، يمكن أن يحدث في إسرائيل اليوم أيضا؟ لا أعلم. أعلم أنه قبل 24 عاما لم أكن أصدق أن هذا سيحدث لنا. لكنه حدث».
وأضاف «أنني أعلم أن الشرخ لم يختفِ. وأن الخلافات بيننا ما زالت عميقة. وأن المجتمع الإسرائيلي يواجه صعوبة في الاتفاق على خطوط عريضة وقواعد لعبة. وإذا سمحنا باتساع الشرخ، سنجد أنفسنا أمام أمر عسير مرة أخرى. وعلينا أن نكرر لأنفسنا صباح مساء أنه يحظر أن يكون الخطاب السياسي عنيفا. وأتوجه إلى جميع المعسكرات، في اليمين واليسار، أن تهدئوا الخواطر، ولا تغذوا الكراهية».
من جانبه، سعى نتانياهو، خلال خطابه في مراسم عند ضريح رابين، إلى النأي بنفسه عن اغتيال رابين، في أعقاب اتفاق أوسلو. وقال نتانياهو إن «النقاش حول اتفاق أوسلو كان جوهريا، حازما وفوق أي شيء كان شرعيا وضروريا. والأمر الذي لم يكن شرعيا هو وصف يتسحاق رابين بأنه «(خائن) أو قاتل».
وأضاف أنه «طوال السنين الماضية منذ الاغتيال، أسمع الادعاء الكاذب بأنه عندما هتفت جماعة متعصبة من داخل المعسكر الذي عارض أوسلو بذلك، أنا وقفت جانبا، صمتّ، لم أعقب، وحتى أنني شجعت. وحتى أنني سمعت ذلك هنا أيضا، قرب قبر رابين، بشكل واضح وبالتلميح في أي مراسم الذكرى. لكن الكذب الذي يكررونه لا يصبح حقيقة. وهكذا قلت حينذاك، من على عدد لا نهائي من المنصات: لا، رابين ليس خائنا. لقد أخطأ، لكنه ليس خائنا».
وتابع نتانياهو أنه «اختلفت مع رابين. وخضت سجالا ساخنا معه، وبالمناسبة ليس في جميع المواضيع. فعندما وقّع اتفاقيات أوسلو عارضته، نعم، مثّلت قسما كبيرا جدا من الشعب الذي عارض نتائج سياسة الحكومة، وانتقدها بشدة. وفي الديمقراطية مسموح وحتى أنه ضروري توجيه الانتقاد. ولا يوجد أحد فوق الانتقاد». وأضاف أنه «قبل 24 عاما حدث أمر آخر. وهو محاولة لنسب، بشكل متعمد، إلى معسكر كامل أفعال الهوامش المتطرفة. ودعوات كهذه – خائن، وخيانة، ودعوات للقتل–تُسمع اليوم أيضا. لكن لا يخطر على بالي أن أحدا ما سيتهم بذلك المعسكر كله الذي تخرج منه دعوات كهذه».