لبنان آخر من يخرج يطفئ الأنوار!

عمان1:على رغم النور المعنوي الذي أشاعه لبنان في المنطقة، إلا أن لبنان واللبنانيين اليوم يغرقون في العتمة السياسية في حياتهم العامة وقناديل الإنارة والشموع في منازلهم. يعج لبنان بالمحللين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين الذين ما انفكوا يشرحون ويناقشون الوضع اللبناني الذي يتدهور بسرعة، فمفردات القضية اللبنانية في غالبيتها ظاهرة على السطح، تتلخص في معادلة أن بعض اللبنانيين يسيرون وراء طروحات "حزب الله"، أكانت إغراء أو أدلجة أو مصلحة او وهماً او حتى خوفاً، فهم لا يسمعون نداء الآخرين، وأن آخرين يسيرون وراء مصلحة لبنان ولكن لا أحد يسمع لهم. الأزمة اللبنانية ليست بسبب غضب من الله، هي من فعل البشر أو بعضهم. لبنان حتى وقت قريب كان كطائر الفينق الأسطوري ما إن يختفي حتى يبرز من الرماد، ولكنه اليوم عصي على الإحياء.

في وسط العقد الأول من هذا القرن وصل متوسط النمو الإجمالي في لبنان الى 9.1 في المئة وهو رقم قياسي في حساب الاقتصاديين، والسبب أن كثيرين ظنوا، في لبنان والعالم، أن حرب تموز (يوليو) 2006 هي آخر المغامرات وأن حسن نصر الله كان على حق وحفظ الدرس عندما قال: "قيادة الحزب لم تتوقع ولا 1 في المئة أن تؤدي العملية الى حرب بهذه السرعة... لو علمنا أن عملية الأسر ستقود الى هذه النتيجة لما قمنا بها!". والاتفاق السياسي الذي تلا الحرب اعتقد كثيرون انه الرافعة الأخيرة وسيصمد، ولكنه لم يفعل، فسرعان ما أوقف ماكينات الدفع وسط ممر الإقلاع، ثم إغلاق البرلمان اللبناني خمسة عشر شهراً، ومن ثم احتلت بيروت من جانب ميليشيات الحزب في 7 أيار (مايو) 2008 وتبخرت آمال (نهاية المغامرات) وتبين أن المراد هو التحكم بلبنان. فتراجع النمو تدريجياً بعد تورط "حزب الله" في سوريا الى إقل من 1.7 في المئة، وهو تراجع هائل بأي مقياس حتى قبل تأثير جائحة كورونا وأصبح لبنان يحتل المرتبة الثالثة كأعلى مديونية في العالم، ووصل مستوى العيش اللبناني الى مكان غير مسبوق حتى في أحلك زمن الحرب الأهلية المقيتة.

يعيش في الخليج تقريباً نصف مليون لبناني، عاملين في قطاعات مختلفة معظمها فنية او شبه فنية، ويدخل خزينة لبنان حتى السنة الأخيرة ما يقارب خمسة مليارات دولار سنوياً نتيجة جهد تلك الشريحة المتحركة والفاعلة في الاقتصاد الخليجي، كما أن لبنان ينظر إليه كجسر وصل بين الشرق والغرب في التجارة والثقافة والحضارة. والاقتصاد اللبناني معتمد في قسم كبير منه على حركة رأس المال والمصارف وتدفق الأموال من بلدان عربية، كلها حجم اسواقها في الخليج هو الأكبر. فأكثر ما يحتاجه لبنان هو جو من الحرية والتسامح والأمان والشراكة والحياد، لكنها كلها مفقودة بسبب ما يفعله "حزب الله" في الداخل اللبناني، وفي مناطق عربية كثيرة من تخريب معلن وخفي، إتباعاً لأجندة خارجية دوره فيها التنفيذ لا غير.
المراقب من الخارج يرى أن تحالف بعض اللبنانيين مع أيديولوجية "حزب الله" هو من أهم معقوقات نهوض لبنان. والشعب اللبناني قادر على فك وفضح ذلك التحالف الانتهازي، ولكن، محجور عليه فعل هذا في ظل مصالح شريحة ضيقة، وهو تحالف جناحاه ماضوية الجهل والتبعية والمغامرة من جهة، وانتهازية ضيقة مجبولة على نفس قصير في عشق السلطة! من جهة أخرى، لا يمكن اختصار لبنان في تلك الثنائية ولا يمكن اللبنانيين بأكثريتهم إلا أن يبحثوا عن خلاص. 

هنا يأتي تثمين مبادرة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي في الدعوة لحياد لبنان والقائمة على استخدام أدوات ومعايير متفق عليها دولياً للحفاظ على لبنان ووحدته ووجوده كدولة حاضرة تنظر الى المستقبل، وهي دعوة حكيمة وبعيدة النظر فلا يمكن لبنان أن يتصدى لتكاليف يتعاظم ثمنها كل يوم لإدامة الوضع الراهن، إن أخذنا بالشكل الدعائي الذي يبثه "حزب الله" بين مناصريه أو ما يسميه استنساباً (المقاومة) المصطلح الذي حان الوقت لكشف زيفه، إذ إن تكلفة ذاك الإدعاء ستكون كارثية.

العجب أن تشن حملة سلبية على فكرة الحياد وعلى أصحابها وهي سلمية، ويسمح في الوقت نفسه لفريق صغير بامتلاك قرار الحرب، وأكثر ما يؤلم تلك الأصوات التي تناهض دعوة البطريرك وتدغدغ عليها من قبح الكلام الكثير، وهي دعوة يتوجب أن تعاضد.

اليوم لبنان في نفق، هو البقاء في هذه الحالة المتدنية في الاقتصاد والإدارة والعيش وعلى شفى الإفلاس بسبب تلك المصطلحات الشوهاء، فلا "حزب الله" سيدخل حرباً وهو ليس قادراً علي تبعاتها، ولا هو سيترك اللبنانيين يتحررون. ومع هكذا أمر، فعلى آخر لبناني يخرج من لبنان أن يطفئ ما تبقى من أنوار!

محمد الرميحي - النهار
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى