عن مشهور حديثة في ذكرى رحيله

عمان1:كتب عريب الرنتاوي
لن تنسينا زحمة الأحداث وتلاحقها الكريه، من نحب...ولن يغيب الموت ذكرى رجال صدقوا الله والوطن ما عاهدوا عليه، ولم يبدلوا تبديلا.
مشهور حديثة الجازي، الذي غيبه الموت قبل عام، هو واحد من أبرز رجالات الأردن ومؤسسي دولته الحديثه...خرج إلى الدنيا من مضارب الحويطات، وتلقى في كتف جده، الدرس الأول عن فلسطين والعروبة، في زمن لم تكن فيه "الهويات الثانوية" قد طغت على سطح حياتنا، وكانت فيه نصرة الأهل والأشقاء في مواجهة غزوة ظالمة، والتصدي لـ"ضيوف لا يشربون القهوة"، واحدة من يوميات أبناء الأردن الذين لم يعتادوا بعد جغرافيا سايكس بيكو ولم ترد إلى مسامعهم تفاصيل الوعد المشؤوم.
 
التحاقه بالقوات المسلحة، قبل الاستقلال والتعريب، وضعه، وهو الفتى في مقتبل العمر، أمام درسه الثاني: درس الحرية والاستقلال...فالانتداب البريطاني الجاثم علىالصدور والعقول والضمائر، وضباطه الممسكين بتلابيب القوات المسلحة، كانوا كما الكابوس، يقض المضاجع ويطرد النوم من العيون.
خبر عن كثب ثورات الخمسينيات ومؤامرات الستينييات، خبر، وهو الجندي والضابط، مختلف أشكال العبث في السياسات العربية، شاهد بأم العين، كيف تنقل البنادق من كتف إلى كتف، وكيف يتحول الرجال من خندق إلى خندق، فظل مستمسكا بطهارة الجندية وشرفها، ظل وفيا لدروس النشاة والتشكيل.
عرف كيف يقفز إلى الخندق الأول في معارك الأمة...وكيف ينصرف عن "صراعات الديكة" و"حروب الضواري" من مراكز القوى والنفوذ...عرف كيف يضع "الأردن أولا" نصب عينيه، في وقت راجت فيه الصفقات المخزية المغطاة بمختلف صنوف الشعارات البراقة.
عرف كيف يكون وطنيا أردنيا، وكيف يكون قوميا عربيا في فلسطين، من دون تناقض، عرف كيف يحتل أرفع درجات الاحترام عن أصدقائه ومجادليه...عرف كيف يحفظ الود حتى مع أناس امتهنوا عادة الطعن في الظهور.
في حياته، كما في مماته، كان الجندي رقم " 505 " جامع مشترك للأردنيين من مختلف مشاربهم واتجاهاتهم...من مختلف منابتهم وأصولهم...من مختلف أجيالهم وفئاتهم...وقد ظل هؤلاء جميعا على عهد الود والوفاء للرجل، فساروا جميعا خلف جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير، في المضارب ذاتها، بعد أن استبدلت بيوت الشعر ببيوت أسمنتيه، والخيول بمختلف أنواع السيارات.
في ذكرى رحيله، نجد العزاء في الجهد الذي تبذله عائلته، لجمع تراث الرجل و"لملمة" سيرته العطرة من صدور معاصريه وزملائه وأصدقائه الكثر...فللأجيال القادمة الحق في المعرفة والاطلاع على تراث الرواد والأوائل، ومن أجدر من فارس الكرامة بهذا الجهد، الذي نأمل أن يكون مؤسسيا، ترعاه الدولة من ضمن مشروع وطني لتدوين التاريخي الشفهي للدولة الأردنية.

المصدر : جريدة الدستور

زر الذهاب إلى الأعلى