هارون الصبيحي يكتب : العقم الفكري

عمان1:التعظيم والتقديس للرموز الأدبية والفكرية الأجنبية وجعلها بمثابة المرجعية الأولى والأخيرة للأدب والثقافة، والاستدلال عليها وعلى ما كتبت وأنتجت من أدب ونقد وفلسفة، يعد من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الجمود والتخلف في الإنتاج الفكري والأدبي والفلسفي والثقافي العربي.
نعم هي رموز لها إنجازاتها وإنتاجها الفكري الأدبي العظيم، ومن المفيد جداً أن ندرسها بعمق ونستفيد منها، لكن أن تتسبب بالعقم الفكري والجمود عند النخب العربية، فهذا يعد من المصائب الفكرية التي ساهمت في التراجع الفكري والتبعية للأجنبي.
مثال: النقد الأدبي العربي ما زال طفلا يحبو خلف تلك الأم التي تمثّل النقد الأدبي الأجنبي، الأم التي تعلم الطفل الكلام والسلوك، لكن المدهش أن هذا الطفل لم يكبر ويستقل بتفكيره ويبدع ويبتكر، جميع مناهج النقد أجنبية، لا يوجد منهج نقدي عربي، حتى عندما يتكلم كبار النقاد العرب، تجدهم يقولون قال سوسير وقال بارت وجاك دريدا وغوركي وجونسون وإليوت… لماذا لا يقول كبار النقاد العرب ما في جعبتهم؟ لماذا لا يوجد منهج نقدي عربي واحد على الأقل؟
هل هو الخوف من الاجتهاد والتجريب والتجديد؟ أم هو عقم فكري؟ الفلسفة العربية اليوم. أين هي؟ نعم كانت في الماضي أيام الفلاسفة العرب الكبار مثل الكندي وابن خلدون والفارابي وابن رشد، الفلاسفة العرب اليوم لا يكتبون إلا مقالات تتحدث عن ماركس وديكارت وأفلاطون وأرسطو، ثقافتنا اليوم أصبحت تابعة للثقافة الغربية، حتى اللغة العربية يحاربها البعض، (بونجور وأوكي وبليز وميرسي وسوري) هذه كلمات أصبحنا نسمعها دائما على الشاشات وفي الجلسات الأدبية والثقافية.
والأنكى من ذلك أن تقوم بعض القيادات الأدبية والثقافية العربية بتعظيم وتقديس الرموز الأجنبية، بهدف دعم أو فرض فكر معين وتعزيزه في الأدب والثقافة، لماذا؟ لأن هذه القيادات عاجزة عن التفكير الإبداعي، وبالتالي هم يتسترون خلف تلك الرموز لترسيخ سلطتهم الفكرية والنخبوية الخاصة على الوسط الأدبي والثقافي.
ظاهرة التقديس والتعظيم العربية ليست في الأدب والثقافة فقط، بل هي في العلم والسياسة والاقتصاد وشتى مناحي الحياة، حتى إحساسنا وتفكيرنا وأسلوبنا في التعبير عن الحب أصبحت فيه تبعية للغرب.. ولا يقتصر التقديس والتعظيم على الرموز الأجنبية فقط، بل قد يكون الصنم المقدس عربياً نابعاً من الموروث العشائري أو القبلي أو التاريخي، فهذا الصنم هو المحفز والمنقذ وقت الشدائد، رغم أن هذا الصنم قد زرع في العقل الباطن وفي اللاوعي المجتمعي، وهو في الحقيقة فارغ علمياً وأدبياً.
هارون الصبيحي

كاتب أردني

زر الذهاب إلى الأعلى