الغارمات بالأردن .. دَيْن بلا اشتراطات وفقر يودي بهن للسجون
عمان1: "الدم ما بيتغسل بدم والديْن ما بيتغسل بديْن”.. بهذه العبارة استهلت ام محمد قصتها، محاولة أثناء الطريق التلاعب بنبرات صوتها التي تكشف عن الحزن والقهر الكامنين في داخلها، والعوز كذلك، ورغم أنها لم تنجح بهذا الا أنها عكست مدى حرص هذه السيدة والأم الأردنية على الظهور بصورة قوية دون اكتراث لعدسة الكاميرا.
أم محمد واحدة من الأردنيات "الغارمات” بسبب قلة ذات اليد والأعباء الاقتصادية، وهي في الوقت ذاته أم وزوجة، ومثل كثيرات من الأردنيات، قررت أن "تحمل كتفاً” مع زوجها لسد احتياجات أسرتهما دون أن تلاحظ أنها وقعت في حفرة تلو الحفرة أرهقتها بالديون والقروض وأصبحت مطلوبة قضائياً!.
أم محمد تقول أثناء سرد قصتها ن مشكلتها بدأت منذ العام 2007 عندما تزوجت وقررت هي وزوجها "تعمير” منزل لم يكتمل حتى يومنا هذا، لكنهما أصبحا مرهقين ماديا وأصبحت هي على وجه الخصوص ملاحقة قضائيا.
وتشير الى أنها شعرت هي وزوجها بـ”المصيبة” التي وصلا اليها بسبب تراكمات القروض في العام 2017، عندما زادت تكاليف ومتطلبات أبنائهما علاوة على تكاليف المنزل الذي لم ينته بناؤه بعد، وتعود بذاكرتها الى العديد من أبواب مؤسسات الإقراض التي طرقتها باحثة عن قروض لتغطية بعض من الأعباء المادية التي انهالت على أسرتها.
وتشير ام محمد خلال رحلة البحث عن قروض، الى أن "مؤسسات الاقتراض التي لجأت اليها كانت تمنحها قروضا دون أي تضييق أو تقص عن قدرتها على سداد الديْن، حيث حصلت على قروض من 4 مؤسسات وتراكمت فوائدها وعجزت عن سدادها، ثم أصبحت في النهاية مطلوبة قضائيا”.
وتضيف: "كنت استغرب أني لما كنت آخذ قرضا وبعد فترة من انتظام الدفعات كانت هذه المؤسسات تحكي معي وتعرض علي ان اجدول قرضي وهذا الشيء كان يشجعني خصوصا وأن حاجات بيتي وأولادي كبيرة”.
هذا الأسلوب التسويقي المشجع الذي كان يبث الطمأنينة بنفس أم محمد، "اختفى في رمشة عين مع أول تخلف عن سداد القسط”، وسرعان ما أصبحت هذه المؤسسات تلاحقها عبر الهاتف أو الزيارات المفاجئة لأماكن عملها حيث تعمل عاملة نظافة، بل ان كثرة تردد مندوبي هذه المؤسسات "تسبب بطردي من العمل”.
ديون أم محمد وصلت اليوم الى 3000 دينار، وقامت جمعية "سنحيا كراما” الخيرية بسداد 650 دينارا منها من خلال مشروع الغارمات، واليوم وبعد وصولها الى هذه الحال الصعبة توجه أم محمد نصيحة للنساء تقول "على قد لحافك مد رجليك والقرض عمره ما بسد قرض”.
وفي محاولة البحث في المشكلة، تذهب النائب ديمة طهبوب الى "نبش أصل المشكلة وتحديدا مؤسسات الاقتراض التي تغمس الأردنيات في وحل القروض”.
ففي هذه المؤسسات، وبحسب ما تقول طهبوب يبدو أن "هناك غيابا لمعايير العمل، حيث تمارس منح الوهم للمرأة الأردنية وتفتح أبوابها لعوزتهن دون أي اعتبار للتبعات التي تصل الى المس بكينونة الأسرة ، أي الأم والزوجة”.
وترى طهبوب أن "الأم الأردنية خط أحمر”، لافتة الى أن مشلكة الغارمات "ليس جرما ارتكبنه عن قصد، بل إن هذا يكشف مدى حاجتهن لسد احتياجات أسرهن”، لافتة الى أن اغلبهن أخذن قروضا لا لغايات شخصية بل لمساعدة أزواجهن أو لتدريس أبنائهن.
وشددت على أن "حل مشكلة الغارمات يبدأ بالحصانة القانونية للمرأة الأردنية والتركيز على آلية عمل مؤسسات الإقراض، فضلا عن الحملات التوعوية من قبل وسائل الإعلام ولفت انتباه النساء لمخاطر الوقوع بمطب القروض”.
أم احمد غارمة ثانية ووصل بها الحال الى هذه المرحلة عندما تركت المنزل الذي كانت تعيش فيه حيث كانت تربي أبناء شقيقتها التي توفيت، وبعد أن خرج زوج شقيقتها من السجن اضطرت الى مغادرته لأن "الناس ما بترحم”.
وبعد وفاة زوج شقيقتها تقول ام أحمد "تراكم علي 3000 دينار ايجار المنزل وفواتير المياه والكهرباء وأصبحت مطلوبة للتنفيذ القضائي”.
"صرت خايفة أمشي بالشارع.. خايفة انحبس” تقول أم احمد، مشيرة الى أنها لجأت الى جمعية "سنحيا كراما” الخيرية لمساعدتها قدر المستطاع لسد ديونها.
ما الذي يجبر بعض النسوة على الوصول لهذا الحال، تقول ام أحمد: "مش بايدي بس ظروف الحياة صعبة جدا انا كل راتبي 210 دنانير كنت ادفعها ايجار للبيت، كنت أقول الأكل والشرب مش مهم المهم اكون مستورة”.
مدير مشروع الغارمات بجمعية "سنحيا كراما” الخيرية ليث الحطيني يبين بدوره أن "الغارمات اللواتي تتابعهن الجمعية اما مسجونات أو مطلوبات أو مهددات بالسجن، وأغلبهن ربات أسر وأمهات”، مشيرا الى أن عدد الغارمات اللواتي تتابع الجمعية حالاتهن منذ العام 2016 بلغ 1700 غارمة، استطاعت الجمعية مساعدة 270 منهن”.
ومن وحي الدراسات التي تجريها الجمعية أفاد الحطيني أن أغلب "الغارمات هن من المعنفات أو ممن يقمن بأدوار الزوج ويصبحن المصدر الأساسي لدخل الأسرة، وهو ما يدفعهن للاقتراض”، لافتا الى أن هناك حالة واحدة ممن قدمت الجمعية مساعدة لها "اقترضت لغايات تكاليف علاجها من السرطان، أما باقي الحالات فكانت لأزواجهن وتكاليف أولادهن”.
وأشار الى أن الغارمات يتركزن في شرق عمان، الرصيفة، عجلون وإربد.