القضاء يا جلالة الملك
كتب المحامي محمد الصبيحي:
العلماء و الفقهاء و الفلاسفة المفكرون يجمعون على أن الدول لا تنهض ولا تتقدم بدون سلطة قضائية مستقلة محايدة ذات كفاءة.
ولتكون السلطة القضائية بهذا الوصف ينبغي أن تتوفر شروط ثلاثة :
الأول أن تكون ارادة النظام السياسي في الدولة واعراف المجتمع وسلوك رجال الدولة في التعامل مع القضاء صارمة في حفظ استقلال السلطة القضائية.
والثاني توفير المتطلبات التشريعية لصيانة استقلال القضاء بأعلى المعايير الدولية وتوحيد المؤسسة القضائية في قضاء واحد جامع يخضع له الجميع بإستثناء العسكريين فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة خلافا لقوانين المؤسسة العسكرية، ذلك أن تجزئة السلطة القضائية تنتقص من النظام الدستوري للدول وتطرح تساؤلا عمن يمثل السلطة القضائية في الدولة هل هو رئيس المجلس القضائي المدني أم رئيس القضاء الشرعي أم رئيس القضاء العسكري أم رئيس القضاء الكنسي.
أما الشرط الثالث فهو توفير الخدمات اللوجستية والمالية التي تجعل من السلطة القضائية و القضاة بمنأى عن الارتهان لوزارة أخرى تتحكم بالموارد والرواتب وبيئة العمل ومتطلباته اليومية. وتجعل من القضاة احرارا من التفكير في قوت عائلاتهم ومدارس أبنائهم وعلاج مرضاهم وقروض البنوك التي أرتهنوا لها من أجل توفير شقة سكنية متواضعة او قسط رسوم جامعية باهظ.
ولعل رجال الدولة في مركز القرار لا يعرفون ان مكتب سكرتيرة لمدير دائرة في اي وزارة افضل وافخم من مكتب قاض في محكمة التمييز التي خصص فيها مكتب واحد لكل اثنين من القضاة.
ان دراسة سبق أن قالت إن ساعات العمل اليومي الفعلي لموظف القطاع العام لا تتجاوز ثلاث ساعات في أحسن الأحوال ولكن نظرة فاحصة باتجاه السلطة القضائية ستكشف ان ساعات العمل اليومي للقاضي لا تقل اطلاقا عن عشر ساعات فليس هناك قاض في محكمة لا يحمل ملفات قضاياه إلى بيته ليتمم دراستها مساء، وساعات عمل الموظف في المحكمة لا تقل عن ست ساعات يوميا،
اما رواتب قضاة الصلح والبداية ومن هم دون الدرجة الأولى فانها تشكل اكبر انتقاص من هيبة القضاء واستقلاله مهما قيل عن انها أعلى من نظرائهم في الدرجة في القطاع العام، فالقاضي لا يمارس عملا اخر ولا يتاجر ولا يقبل منه أن يظهر بمظهر غير لائق ولا يقبل منه البخل ولا الالتفات إلى صغائر الأمور ولهو الحياة
ان الفجوة بين رواتب قضاة الدرجة العليا وقضاة محكمة التمييز وبين رواتب قضاة الصلح والبداية واسعة جدا وتشكلل خللا وظيفيا ماليا له تأثير على سير العمل.
وينبغي ان يكون القضاة الشباب في محاكم الصلح والبداية هم الأولى بالرعاية من حيث الراتب ومتطلبات العيش والتأمين الصحي والسكن ، فهم الذين يشكلون العمود الفقري للسلطة القضائية وهم الذين يواجهون المجتمع والناس مباشرة ويوميا وهم الذين يتعرضون لمحاولات الواسطة والضغوط المعنوية والوظيفية وهم الأكثر عرضة لزعزعه الاستقرار الوظيفي.
كانت شروط القاضي في عصر الدولة الإسلامية المزدهر العلم والتقوى وسلامة البدن وكانت الدولة توفر للقاضي كفايته ( السكن والركوب والخادم و مخصصات مالية)، وبالمفهوم الحالي على الدولة ان توفر للقاضي السكن والسيارة والسائق بالإضافة إلى الراتب الشهري.
لقد سطر الهاشميون سجلا ناصعا في حماية استقلال القضاء وكان الحسين طيب الله ثراه اول من يغضب اذا مس احد استقلال القضاء او تدخل في عمل القضاة وكانت الحكومات مؤسسة وأفرادا تتجنب غضب الحسين اذا اقترب وزير او فكر في التوسط او التدخل في القضاء. وهذا ما نأمل أن يتواصل في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وهو عهد الشعب وامله في الراية الهاشمية
واخيرا فإن للحديث عن زحمة المحاكم ونقص اعداد القضاة والارتفاع الهائل في عدد القضايا وضغوط الفصل السريع للقضايا مناسبة حديث لاحق.