أمريكا وإسرائيل ضغطتا الزر الخطأ.. من يملك زر الإيقاف؟

عمان1:هذه اللحظة التي يختلط فيها الغرور السياسي بالهوس الأيديولوجي؛ ضغطت أمريكا — أو بالأحرى إدارة ترامب المعاد تدويرها -على الزر الخطأ مجدّدًا، مُستهدفةً منشآتٍ نوويةً إيرانية في عملية توحي بالقوة، لكنها في جوهرها اعتراف ضمني بالعجز. أما نتنياهو، فأعاد تكرار خطابه الأمني المصطنع، ظانًّا أنّ مشاهد التفجير قادرةٌ على إخفاء ما تراكم من فشل داخلي.
بنيامين نتنياهو، زعيم إسرائيل الذي يستمد حياته السياسية من خلق الأزمات، فقد أعاد تكرارَ شريطٍ قديم: أعاد خطابًا أمنيًّا محشوًّا بالرّعب المصطنع، مُلفّقًا على عجل لتبرير العنف، ومتخمًا بمحاولات إسكات الداخل الإسرائيلي الذي يغلي منذ شهور. يظن نتنياهو أنّ مشاهد التفجيرات على شاشات الـ CNN كفيلة بإخفاء ما تراكم من فشل داخلي: من انقسامات المجتمع، إلى تصاعد الأصوات العسكرية التي تتّهمه باستخدام الجيش لأغراض شخصية، إلى عزلة إقليمية متزايدة.
وإذا كانت أمريكا قد ورّطت نفسها في استهداف مباشر لأعصاب إيران النووية، فإن نتنياهو يحاول الهروب من أزماته عبر ركوب موجة الحرب. كلا الرجلين، ترامب ونتنياهو، لا يملكان مشروعًا استراتيجيًّا واضحًا. إنهما يتحركان في الفراغ بين التاريخ والانتخابات. كلاهما يهرب من الداخل إلى الخارج، ومن المساءلة إلى القصف، وكأنهم يُعيدون كتابة نصٍّ كلاسيكي عن انهيار الزعامة حين تفقد قدرتها على الإقناع، ولا يبقى أمامها سوى إطلاق النار على الظلال.
وما يجهله الاثنان، أو يتجاهلانه عمدًا، أنّ الزرّ الذي ضُغط هذه المرة، لا يُطلق حربًا محدودة، بل يفتح بوابة جحيم إقليمي متمدّد. في زمن لم تعد فيه القوى التقليدية وحدَها قادرة على التحكم في وتيرة الرد. فإيران اليوم ليست عراق التسعينيات، ولا سوريا في بداية العقد الماضي. إنها مركزُ تحكّمٍ متعدّدِ الرؤوس؛ وذي أذرع طويلة: من صنعاءَ إلى بغداد، ومن الضاحية إلى الجولان.
لقد ضغطوا على الزر، ولكن السؤال الحقيقي هو: من سيملك “زر الإيقاف” حين تبدأ النيران بالخروج عن النص؟
لكن التاريخ لا ينسى. وهذه اللحظة المشحونة تعيدنا إلى نماذج من قادة سياسيين ظنّوا أن الهجوم وحدَه هو لغة الهيبة، فصنعوا نهايتهم بأيديهم.
قادة على خطا الهزيمة: من فيتنام إلى بغداد
ليندون جونسون – أميركا في فيتنام
الرئيس الذي صعد في سلّم الحرب تحت شعار “احتواء الشيوعية”، ولم ينتبه إلا متأخرًا أنّ الشعوب لا تُقهر بالقوة الجوية وحدها. انسحبت أمريكا من فيتنام تجرّ أذيال الخيبة، وجونسون لم يترشح لولاية ثانية، بعد أن غرق في مستنقع لم يكن يفهم تضاريسه.
“نحن نملك أقوى الطائرات، لكنهم يملكون أقوى الأرض.”
جورج بوش الابن – وهم الانتصار في العراق
دخل العراق على ظهر كذبة “أسلحة الدمار الشامل”، وأسقط نظامًا ليزرع الفوضى في المنطقة. حين أعلن “المهمة أُنجزت” عام 2003، كانت بداية حرب لم تنتهِ فعليًّا حتى اليوم. وتحوّل التدخل الأمريكي إلى رمزٍ للفشل العسكري والسياسي.
“ظنّ بوش أنه يصنع الشرق الأوسط الجديد، فإذا به يصنع الانهيار الكبير.”
أرييل شارون – الرجل الذي ظن أنه سيُنهك الفلسطينيين
اجتاح الضفة الغربية في “السور الواقي” وأحكم الحصار على عرفات، لكنْ لم تمرّ بضع سنوات حتى وجد نفسه مضطرًا للانسحاب من غزة تحت ضغط المقاومة. تحوّل من بطل قومي إلى عبء سياسي، انتهت حياته بالشلل السياسي والدماغي.
“الدم لا يصنع الأمن، بل يصنع ذاكرةً مقاومة.”
نتنياهو وترامب: تكرار النص بممثلين مُجهدين
نتنياهو في 2025، بات نسخةً متأخرة من شارون، لكنه أكثر تهالكًا: زعيم محاصر بالقضايا، لا يُحسن سوى الهروب إلى الأمام عبر القنابل، وإغراق المنطقة بمزيد من العنف.
ترامب، يعود بمنطق القوة القصوى، متوهّمًا أنّ ضربة على نطنز أو أصفهان ستعيد انتخابه أو تثبت رجولته السياسية. لكنه في واقع الأمر يكرّر خطأ بوش وجونسون، متناسيًا أن الشرق الأوسط اليوم مختلف: الشعوب مسلّحة بالوعي، والوكلاء المسلحون ليسوا كما كانوا.
الزر الخطأ: السياسة التي تنسى الجغرافيا
إن ضرب إيران دون استراتيجية خروج، وفي ظل انقسام أمريكي داخلي حاد، ليس إلا إعادة إنتاج لفخٍّ استراتيجي قاتل. هذه ليست “ضربة جراحية”، بل محاولة يائسة لإثبات الهيبة في منطقة لم تعد تُخيفها الطائرات بقدر ما تُثيرها الحقيقة.
“عندما تضغط الإمبراطوريات على الزر الخطأ، لا تسقط الدول فقط، بل تسقط الأساطير معها.”
هل سيتعلمون؟
ربما يسير ترامب ونتنياهو اليوم على خُطا جونسون وبوش وشارون… لكن للأسف، بأسلوب أكثر صخبًا، وبمخيلة سياسية أكثر فقرًا. التاريخ يراقب، والمنطقة تغلي، والزر الذي ضُغط لا يمكن التراجع عنه. إلا أن نتائج ذلك لن تحسمها الغارات الجوية، بل سيحسمها صبر الشعوب، وذكاء المقاومة، وزمنٌ قادم قد لا يكون أمريكيًا أو إسرائيليًا كما يتوهمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم الدكتور يونس الديدي – كاتب صحفي، محاضر وأستاذ جامعي، باحث في الشؤون السياسية