ماذا شاهد ابن بطوطة في قلعة الإسلام الأخيرة بأوروبا؟
عمان1:لا يكاد أحد في عالم أدب الرحلة اليوم مشرقا ومغربا لا يعرف ابن بطوطة، أمير الرحالة المسلمين، وأحد زعماء السياح في الأرض على مر العصور والأقطار، وكما يقول المؤرخ الروسي إغناطيوس كراتشكوفسكي في كتابه "تاريخ الأدب الجغرافي العربي" إن ابن بطوطة "كان آخر جغرافي عالمي من الناحية العملية، أي أنه لم يكن نقّالة اعتمد على كُتب الغير، بل كان رحّالة انتظم محيط أسفاره عددا كبيرا من الأقطار، وقد تجاوز تجواله مقدار 175 ألف ميل".
تلك رحلة طويلة جاب فيها ابن بطوطة قارات العالم القديم، منطلقا من مدينته الصغيرة الوادعة طنجة بهدف الحج شابا في ريعان الشباب، وبدايات التطلع على الحياة، فإذا به يجوب شمال أفريقيا ومصر والحجاز والجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وإيران والمحيط الهندي والهند وجنوب شرق آسيا والصين ثم يعود فيزور الأناضول وروسيا وأفريقيا الغربية والأندلس.
وبعد سنوات طويلة قاربت الثلاثين عاما في أرض الله الواسعة، عاد ابن بطوطة الغريب عن دياره من رحلته تلك إلى بلاده التي اشتاق إليها في شعبان 750هـ/نوفمبر/تشرين الثاني 1349م، ومرتع صباه الأول، إلى المغرب الأقصى.
وسنراه عند عودته يبالغ في الثناء لمولى المغرب وسلطانه أبو عنان المريني وقتئذ، وهو أمر يخرج به قليلا عن المعهود في رحلته، ويُعلل المؤرخ حسين مؤنس هذه المبالغة في الثناء والتقرب من العاهل المغربي إلى أن رحالتنا لم يمكن له قبول الاستضافة في الزوايا والتكايا وهدايا العلماء وعامة الأمة كما كان يفعل طوال رحلته باعتباره ابن سبيل، وأحد غرباء المسلمين في تلك البلدان القاصية.
وكان عليه وقد أمسى في سن قريب من الشيخوخة أن يجد ما يُقيم حياته، ويسدّ رمقه بصورة كريمة، ولا يجد ذلك إلا عند سلطان متفهم، تجسّد في السلطان المتوكل المريني، ومن الملاحظ كما نرى عند الناصري في "الاستقصاء" أن هذا العاهل المغربي الذي احتضن ابن بطوطة تمكن من توسيع رقعة الدولة المرينية، وكان سلطانا لا بأس به، ولكن دولته لم تكد تدخل طورا من الاضطراب والأفول بعد وقت قريب، فضلا عن الصراع الداخلي الذي مرت به.
ابن بطوطة من حاشية أبي عنان
أما ابن بطوطة فكان يطمح إلى أن يلتف الناس حول رحلاته ومغامراته التي مر بها، وأن تتحول إلى مصدر للشهرة والرفعة، غير أن هذا الهدف لم يكن قابلا للتحقق إلا عبر بوابة السلطان أبي عنان فارس المتوكّل، الذي كان معروفا بالكرم وانفتاح العقل، على الرغم من أن أفعاله لم تبلغ مستوى الإحسان الكامل خاصة في انقلابه على والده، فإنه ظل -في كل الأحوال- المنفذ الوحيد المتاح أمام ابن بطوطة.
ومن هذا المنطلق، سعى ابن بطوطة إلى التقرب من السلطان المريني عبر طريق المديح والإشادة، مستثمرا غرائب رحلته وطرائفها، إلى أن لفت نظر السلطان واستمال اهتمامه، وقد حدث هذا التقارب بوساطة الأديب المغربي ابن جُزي الكلبي، الذي أدخل ابن بطوطة إلى بلاط السلطان، فاستمع أبو عنان إلى حديثه وأُعجب برحلته، وأمر السلطانُ ابنَ جُزي بتدوينها، لتخرج بعد ذلك إلى الوجود في صورتها المعروفة لنا اليوم.
وهنا اطمأن ابن بطوطة إلى معاشه وإقامته وظعنه، ولكنه الذي طاف العالم وأصبح على مقربة خطوة من العدوة الأندلسية أراد أن يستكشف هذا الصرح الإسلامي المتداعي في القارة الأوروبية، ولما أراد الانفصال عن العاصمة المغربية وقتها فاس قرر التوجه إلى بلدته طنجة التي عاش فيها طفولته وصباه وبدايات شبابه الأول يزورها ويمر على قبور أهله، يقول في رحلته:
"ولما حصلت لي مشاهدة هذا المقام الكريم وعمّني فضل إحسانه العميم قصدتُ زيارة قبر الوالدة فوصلتُ إلى بلدي طنجة وزرتُها، وتوجّهتُ إلى بلدة سبتة فأقمتُ بها أشهرا، وأصابني بها المرض 3 أشهر ثم عافاني الله".
الطريق إلى الأندلس
وهنا يكشف ابن بطوطة عن السبب الذي دفعه لزيارة الأندلس، وعن الروح التي كانت سائدة في تلك الأوقات أمام ما كان يُحاك لها من التآمر الكاثوليكي القشتالي، قائلا: "أردتُ أن يكون لي حظ من الجهاد والرباط، فركبتُ البحر لأصل [بلدة] أصيلا، فوصلتُ بلاد الأندلس حيث الأجر موفور للساكن، والثواب مدخور للمقيم والظاعن".
وفي تلك الأثناء تصادف موت ملك القشتاليين ألفونسو الـ11 الذي ظل يحاصر جبل طارق أشهرا وكان سقوط هذا الجبل إن وقع يومئذ مُعجِّلا لسقوط جنوب الأندلس بالكلية، وتهديدا مباشرا لشمال المغرب كذلك، فارتاح الأندلسيون من قهره، وتنفسوا الصعداء من حصاره، ويذكر ابن بطوطة ذلك بقوله: "فأخذه الله من حيث لم يحتسب، ومات بالوباء الذي كان أشد الناس خوفا منه".
وقد خلف ألفونسو هذا ابنه بدرو الأول الذي نزع إلى السكينة والسلام، ولم يكن محبا مثل والده إلى النزاع والحرب مع الأندلسيين المسلمين، وهذا التحول السياسي الكبير سيكون له أثره في رحلة ابن بطوطة، الذي تمكن من دخول جبل طارق، ورأى فيه تحصين السلاطين المغاربة الأقدمين وخاصة مؤسسي دولة الموحدين كعبد المؤمن بن علي.
ثم بعد ذلك بعقود طويلة حرص أبو الحسن المريني وابنه أبو عنان المتوكل المريني على زيادة تحصين جبل طارق ومدينته وسكانه، وكان يُسمى جبل الفتح، لإدراكهم الأهمية الإستراتيجية لهذا الجبل، وأن سقوطه يعني سقوط المغرب من خلفه.
ولما انفصل ابن بطوطة من جبل طارق اتجه إلى مدينة رُندة، وهي من أمنع معاقل المسلمين وأجملها وضعا، وكان قائدها إذ ذاك الشيخ أبو الربيع سليمان ابن داود العسكري، وقاضيها ابن عمي الفقيه أبو القاسم محمد ابن يحيى بن بطوطة، وغير ذلك من أعيان المدينة وقوّادها، واستضافوه أحسن استضافة، وأقام بها 5 أيام.
ثم قرر السفر إلى مدينة مربلّة وهي اليوم واحدة من أشهر المنتجعات السياحية في إسبانيا والعالم كله، ومنها أراد الانطلاق صوب مدينة مالقا في صحبة جماعة من الفرسان، ولكنه تخلف عنهم لسبب من الأسباب العارضة.
وكان هذا التأخر سببا في نجاته من موت أو أسر، لأنهم عندما وصلوا إلى مدينة تُسمى سُهيل، ويحددها المؤرخ حسين مؤنس بمدينة فوينخيرولا الإسبانية على ساحل مالقة، هاجمهم العدو القشتالي في كمين هناك، فقتل واحدا منهم، وفرّ واحد، وتمكن من أسر الباقين، وعُقيب ذلك استطاع ابن بطوطة أن يبلغ مالقة.
وهي كما يصفها: "إحدى قواعد الأندلس وبلادها الحسان، جامعة بين مرافق البر والبحر، كثيرة الخيرات والفواكه، رأيت العنب يباع في أسواقها بحساب ثمانية أرطال بدرهم صغير، ورمّانها المرسى الياقوتي لا نظير له في الدنيا، وأما التين واللّوز فيُجلَبان منها ومن أحوازها إلى بلاد المشرق والمغرب".
ولما تجول في المدينة، وجاب أطرافها دخل جامعها ورأى خطيبه أبا جعفر بن عبد الله الطنجالي ووجوه المدينة حولها يجمعون الصدقات والزكوات والتبرعات لفكاك الأسرى الذين يسقطون في أيدي العدو القشتالي، ومنهم هؤلاء الفرسان الذين سقطوا عما قريب، فقال بصوت عال للجميع وللخطيب: "الحمد لله الذي عافاني ولم يجعلني منهم! وأخبرته بما اتفق لي بعدهم"، وقد تعجب شيخ الجامع من خطب ابن بطوطة، واستضافه عنده، وأكرم نُزله.
ولم ينس ابن بطوطة أن يعرف بما شاهده من آثار مدينة مالقة وأهم معالمها، قائلا: "بمالقة يُصنّعُ الفخار المذهب العجيب، ويُجلب منها، إلى أقاصي البلاد، ومسجدها كبير الساحة، شهير البركة وصحنه لا نظير له في الحسن، فيه أشجار النارنج البعيدة".
قلعة الأندلس والعودة
ومن مالقة قرر الانطلاق صوب بلّش شمالا وهي التي تُسمى اليوم فيليز مالقا، وكانت وقتها إحدى المدن التابعة لغرناطة الكبيرة، ثم انطلق "إلى الحمّة وهي بلدة صغيرة لها مسجد بديع الوضع عجيب البناء وبها العين الحارة على ضفة واديها"، وكانت وقتها على مسافة ميل من غرناطة.
ومنها انطلق إلى غرناطة عاصمة الإسلام الأخيرة في الأندلس "وعروس مدنها، وخارجها لا نظير له في بلاد الدنيا، وهو مسيرة 40 ميلا يخترقه نهر شنيل، وسواه من الأنهار الكثيرة والبساتين والجنّات والرياض والقصور والكروم محدقة بها من كل جهة، ومن عجيب مواضعها عين الدمع وهو جبل فيه الرياضات (الرياض) والبساتين، لا مثل له بسواها".
ولا يغيب عن ابن بطوطة الحديث عن سلطانها سليل بني الأحمر وقتئذ، قائلا: "كان ملك غرناطة في عهد دخولي إليها السلطان أبو الحجاج يوسف بن السلطان أبي الوليد إسماعيل ابن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر ولم ألقه بسبب مرض كان به، وبعَثت إليّ والدته الحرة الصالحة الفاضلة بدنانير ذهب ارتفقتُ بها".
وكعادة ابن بطوطة لا يغيب عنه أن يجتمع بعلماء وفقهاء وخطباء غرناطة وأدبائها، سواء في بعض جوامعها، أم في بساتين أصحابها، مثل لقائه كما يقول بـ"قاضي الجماعة نادرة العصر، وطُرفة الدهر أبو البركات محمد بن محمد بن إبراهيم السّلمي البلفيقي، قدم عليها من ألمرية في تلك الأيام فوقع الاجتماع به في بستان الفقيه أبي القاسم محمد بن الفقيه الكاتب الجليل أبي عبد الله بن عاصم وأقمنا هنالك يومين وليلة".
وهنا نرى الفقيه والأديب ابن جُزي الكلبي، كاتب رحلته يرافقه في زيارة الأندلس، ويؤكد ما أملاه ابن بطوطة ويزيد عليه بعض الأخبار الأخرى ولا سيما اجتماعه ببعض الأدباء والشعراء الذين غاب عن ابن بطوطة ذكرهم وقصد اختصار أخبارهم.
ومن غرائب الصدف أن ابن خلدون وابن الخطيب وابن بطوطة وهم من أهم من أنجب الغرب الإسلامي تعاصروا معا وتلاقى منهم اثنان في غرناطة وهما ابن الخطيب وابن خلدون، ولكن فات ابن بطوطة هذا اللقاء كما يلحظ المؤرخ حسين مؤنس في دراسته لرحلة ابن بطوطة.
ومن اللافت أن ابن خلدون جاء على ذكر ابن بطوطة في مقدمته الشهيرة قائلا: "إنّه ورد بالمغرب لعهد السّلطان أبي عنان من ملوك بني مرين رجل من مشيخة طنجة يُعرف بابن بطوطة كان رحل منذ 20 سنة قبلها إلى المشرق وتقلّبَ في بلاد العراق واليمن والهند ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند وهو السّلطان محمّد شاه، واتّصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه وكان له منه مكان، واستعمله في خطّة القضاء بمذهب المالكيّة في عمله، ثمّ انقلب إلى المغرب واتّصل بالسّلطان أبي عنان وكان يحدّث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض".
ويكمل ابن بطوطة مسار رحلته إلى الأندلس، وذكر تفاصيلها وأحوالها في عصره، ليقول: "ومن عجيب مواضعها عين الدمع، وهو جبل فيه الرياض والبساتين، ولا مثيل له بسواها" وهي قرية تقع بمرج غرناطة قريبا منها، ومما ينتبه إليه ابن بطوطة.
وينفرد به في ذكر أخبار غرناطة في منتصف القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، وجود عدد من متصوفة مسلمي آسيا والأناضول، من الفرس والأتراك في أرباض غرناطة، منقطعين للعبادة في بعض زواياها وقتئذ، حيث يقول: "وبغرناطة جملة من فقراء العجم استوطنوها لشبهها ببلادهم، منهم الحاج أبو عبد الله السمرقندي، والحاج أحمد التّبريزي، والحاج إبراهيم القونوي، والحاج حسين الخراساني والحاجان عليّ ورشيد الهنديان وسواهم".
وربما كان مجيء هؤلاء الصوفية إلى غرناطة بهدف الجهاد للدفاع عنها في عصر الهجوم الكاثوليكي الكبير على الأندلس، فحفزتهم روابط الأخوة والتضامن، ونيل ما عند الله إلى تحمل مشاق السفر من أقاصي الأرض إلى الأندلس لبذل الأنفس، ودعم الأندلسيين في محنتهم العصيبة تلك.
ويستشهد المؤرخ محمد عبد الله عنان في تاريخه الموسوعي "دولة الإسلام في الأندلس" برحلة ابن بطوطة، ويحرص على إبرازها في عرض أحداث ذلك العصر، ولا سيما في غرناطة خاصة، والأندلس عامة، فيرى أن "أوصاف ابن بطوطة تُدلي بأن الأندلس كانت يومئذ، بالرغم من توالي غارات النصارى عليها وعبثهم في ربوعها، بلادا زاهرة نضرة، تزخر بالخيرات والنعم، وتموج بالملايين من سكانها النشطين الأذكياء، وصناعاتها الممتازة، وتحتشد فيها جمهرة كبيرة من العلماء والفقهاء والكتاب والشعراء مما يدل على أنها كانت في هذا العصر تجوز أيضا نهضة أدبية زاهرة".
ولما زار ابن بطوطة غرناطة، وقضى منها ما أراد بالنظر والسياحة والوقوف على أخبارها، وتقصي حقائقها، قرر العودة إلى موطنه المغرب، فرجع إلى الحُمّة ثم إلى بلّش ثم حصن زكوان "وهو حصن حسن كثير المياه والأشجار والفواكه" كما يقول، ثم انتقل إلى رُندة ومنها إلى قرية بني رياح: "فأنزلني شيخها أبو الحسن علي بن سليمان الرياحي وهو أحد كرماء الرجال، وفضلاء الأعيان يطعم الصادر والوارد وأضافني ضيافة حسنة".
ويلحظ الدكتور حسين مؤنس أن قرية بني رياح هي أول قرية أندلسية في ذلك العصر يظعنها فريق من عرب بني رياح من بني هلال الذين هاجروا إلى الأندلس، ويبدو أنها كانت قرية قريبة من الساحل الأندلسي الجنوبي القريب من جبل طارق أو جبل الفتح كما كان يُسمّى.
حيث انطلق ابن بطوطة مباشرة إلى جبل طارق ومنه ركب جفنة أو سفينة لبعض سكان مدينة أصيلا المغربية، يقول: "فوصلتُ إلى سبتة وكان قائدها إذا ذاك الشيخ أبو مهدي عيسى بن سليمان بن منصور وقاضيها الفقيه أبو محمد الزجندري، ثم سافرتُ منها إلى أصيلا وأقمت بها شهورا، ثم سافرتُ منها إلى مدينة سلا، ثم سافرتُ من سلا فوصلت إلى مدينة مراكش، وهي من أجمل المدن، فسيحة الأرجاء متسعة الأقطار كثيرة الخيرات، بها المساجد الضّخمة كمسجدها الأعظم المعروف بمسجد الكُتبيين وبها الصومعة (المنارة) الهائلة العجيبة، صعدتها وظهر لي جميع البلد منها".
وفي مراكش التقى ابن بطوطة بالسلطان المريني الذي قرّبه ورعاه، وجعله من حاشيته، وشجعه على استكمال رحلاته، يقول: "ثم سافرتُ من مراكش صحبة الرّكاب العلي: ركاب مولانا أيده الله، فوصلنا إلى مدينة سلا ثم إلى مدينة مكناسة العجيبة الخضرة النضرة ذات البساتين والجنات المحيطة بها بحائر الزيتون من جميع نواحيها، ثم وصلنا إلى حضرة فاس حرسها الله تعالى فوادعت بها مولانا أيده الله".
ويلحظ عدد من الباحثين الإسبان المعاصرين الذين درسوا رحلة ابن بطوطة للأندلس، أن ابن بطوطة لم يكن مجرد رحّالة سيّاح في تلك الزيارة وإنما كان موفدا رسميا من قبل السلطان المريني إلى السلطان النصري، بدليل مجيء ابن جزي معه في هذه الرحلة، وكان أيضا من حاشية وموظفي بلاط العاهل المغربي.
من هؤلاء الباحثين أرتورو سانشيز سانث الذي يقول في دراسته "رحلة ابن بطوطة الكبرى": "أُوفِد ابن بطوطة سفيرا من قِبل السلطان، ومكث في الأندلس نحو عام تقريبا، بين عامي 1351 و1352م".
وبعد عودته إلى المغرب، قدّم ابن بطوطة إلى السلطان تقريرا مفصّلا عن دقّة الوضع السياسي الذي كانت تمرّ به آخر مملكة إسلامية باقية في أقصى الغرب من القارة الأوروبية، والتي كانت تتعرّض لتهديد دائم من ملك قشتالة بيدرو الأوّل الملقّب "بالقاسي".
وهنا يقرر ابن بطوطة أن ينطلق ليكتشف الإسلام في أفريقيا الغربية، أو كما يسميه بلاد السودان، منطلقا من العاصمة المغربية وقتئذ فاس إلى سلجماسة ومنها إلى الأراضي الموريتانية ثم مناطق الصحراء الكبرى في مالي وما جاورها، وتلك رحلة أخرى تحتاج منا أن نقف معها، ونستكشف مع ابن بطوطة ما رآه فيها من الأخبار والحكايات والعجائب والغرائب، وهو بحق رجل خُلق للرحلة والاستكشاف، على رغم من كبر سنّه وقتئذ وقد بلغ الخمسين.